فلسطين أون لاين

الحسم في غزة والسيادة في الضفة.. رؤية نتنياهو لتصفية القضية الفلسطينية

"حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية"؛ هذا ما تبدو عليه السياسة الإسرائيلية في عهد حكومة نتنياهو اليمينية التي اعتاد وزراؤها الإدلاء بتصريحات معادية للفلسطينيين؛ ومنها تهديد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش "بتدمير السلطة الفلسطينية"؛ وتصريح وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين الذي قال: "ما بين البحر والنهر ستكون هناك دولة واحدة فقط؛ هي دولة الشعب اليهودي"؛ وهي إشارات على رغبة إسرائيلية بإنهاء الكينونة السياسية الفلسطينية؛ كخطوة نحو إقامة "إسرائيل الكبرى"؛ التي عبّر نتنياهو في لقاء متلفز قبل أيام عن إيمانه العميق بها.

الحسم الإسرائيلي في غزة

تتمثل سياسة الحسم في غزة باإطلاق عملية "عربات جدعون2"؛ التي تهدف -بحسب نتنياهو- إلى "السيطرة العسكرية والأمنية؛ وتحرير الجنود الأسرى؛ واستسلام المقاومة؛ وتجريدها من السلاح"؛ وهي شروطه لوقف الإبادة المتواصلة منذ سبعمائة يوم؛ والتي أدت إلى استشهاد 73 ألف فلسطيني؛ وإصابة 162 ألفًا غالبيتهم نساء وأطفال بحسب المكتب الإعلامي الحكومي بغزة؛ وتدمير شامل للأحياء السكنية؛ وتفشي المجاعة؛ ووصولها إلى مستويات كارثية بحسب المؤسسات الأممية.

الحسم في الضفة المحتلة

أما حسم الضفة فكان عنوانه تدمير مخيمات شمال الضفة؛ وتهجير عشرات ألوف الفلسطينيين؛ وإطلاق قطعان المستوطنين لمهاجمة البلدات الفلسطينية؛ وشرعنة المزيد من البؤر الاستيطانية؛ وإقرار مشاريع استيطانية جديدة؛ من بينها مشروع E1 الذي يشمل بناء 3400 وحدة استيطانية؛ ويُطبِق الخناق على القدس؛ ويفصل محافظات شمال الضفة عن جنوبها؛ إضافة إلى تلويح وزراء إسرائيليين بفصل محافظة الخليل؛ وإسناد إدارتها لزعامات عشائرية تابعة للاحتلال؛ وهي مؤشرات على إصرار حكومة نتنياهو على تهجير الفلسطينيين؛ في ظل مخطط اليمين الإسرائيلي لتوطنين مليون مستوطن يهودي في الضفة المحتلة.

دوافع سياسة الحسم الإسرائيلية

تأتي خطة نتنياهو فرض السيادة على الضفة إثر فشله في تحقيق "النصر المطلق" في غزة؛ وإخفاقه في تحرير الأسرى؛ ورغبته في إشغال الجمهور الإسرائيلي عن محاكمته في ملفات الفساد؛ ومسؤوليته عن فشل السابع من أكتوبر.

من جهة أخرى يدرك نتنياهو جيدًا تطرّف المجتمع الإسرائيلي؛ وهذا ما أكده استطلاع رأي أجرته مؤخرًا القناة i24 العبرية؛ وعبّر فيه 54% من الإسرائيليين عن دعمهم لفرض السيادة بدرجات متفاوتة على الضفة؛ ما يشير إلى استخدام نتنياهو ملف فرض السيادة ورقة انتخابية تعزز من احتمالية فوزه في انتخابات الكنيست المقبلة.

ورغم ترويج حكومة نتنياهو بأن فرض السيادة في الضفة يأتي ردًا على الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية؛ إلا أن هشاشة ائتلاف نتنياهو بعد انسحاب الأحزاب الحريدية؛ واعتماده على الأحزاب المتطرفة يدفعه للتمسك باستمرار حرب غزة وضم الضفة حفاظًا على حكومته من الانهيار..

السيناريوهات المحتملة

في ظل المعطيات السابقة نستحضر السيناريوهات المحتملة التالية:

سيناريوهات الحسم في غزة

1- نجاح الاحتلال في تهجير أهالي مدينة غزة وتسوية مبانيها بالأرض؛ وهو هدف معلن لنتنياهو؛ لكنه يصطدم بثبات أهالي غزة؛ واستنزاف جيش الاحتلال الذي يواجه نقصًا في الجنود والآليات؛ ومخاوف قادته من مواجهة حرب عصابات؛ إضافة إلى قِصَر المدة الزمنية التي منحها ترامب لنتنياهو لتحقيق النصر السريع في غزة.

2- مقتل عدد من الجنود الأسرى؛ ووقوع أسرى جدد بيد المقاومة؛ وهو سيناريو ليس مستبعدًا في ظل عدم امتلاك الاحتلال معلومات حول أماكن احتجاز الأسرى؛ وعدم قدرته على تدمير شبكات الأنفاق؛ وحدوث هذا السيناريو يشكل ضربة قاصمة لجيش الاحتلال قد تؤثر على استمرار عملية "عربات جدعون 2".

3- التوصل إلى صفقة تبادل بضغط أمريكي؛ وهو سيناريو متوقع في حال طالت مدة العملية العسكرية في غزة؛ ونفد صبر ترامب تجاه نتنياهو؛ وهو سيناريو يمثل انتصارًا للمقاومة الفلسطينية.

4- فشل جيش الاحتلال في تحقيق الحسم أو تحرير الأسرى في غزة؛ الأمر الذي سيفاقم الخلافات داخل الكيان؛ ما قد يؤدي للإطاحة بحكومة نتنياهو؛ وهو سيناريو يمثل فشلًا ذريعًا للاحتلال؛ ونصرًا واضحًا للفلسطينيين.

سيناريوهات الحسم في الضفة

1- إقرار نتنياهو ضم مناطق (ج) التي تشكل 60% من مساحة الضفة؛ وهو سيناريو له شواهد عدة منها قيام وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي بإبلاغ مسؤولين فرنسيين اعتزام الاحتلال ضم مناطق (ج) ردًّا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ وتصريحات وزير مالية الاحتلال حول إعداد خرائط إسرائيلية لضم مناطق واسعة من الضفة.

2- فرض السيادة تدريجيًا على الضفة؛ بدءًا من الخليل جنوب الضفة؛ وهو سيناريو محتمل تدعمه تسريبات إسرائيلية؛ ويهدف لامتصاص الغضب الدولي؛ حيث أوصى نتنياهو وزراءه بالتكتم حول مخططات ضمّ الضفة خشية من ردود الفعل الدولية.

3- إعلان فرض السيادة على كامل أراضي الضفة ردًا على اعتراف الدول الأوربية بالدولة الفلسطينية؛ ورغم ضعف هذا السيناريو إلا أن تقارير إسرائيلية كشفت عن مخطط سموتريتش لفرض السيادة على 82% من مساحة الضفة؛ مع استثناء المدن الفلسطينية الكبرى؛ ما يعني إفشال أي خطط ففسطينية لإقامة الدولة.

4- تدخّل أمريكي بضغط عربي لإيقاف قرار الضم؛ ومن مؤشراته الرفض العربي المعلن؛ سيما تحذير الإمارات من تداعيات قرار الضم على اتفاقيات التطبيع؛ ولكن بالنظر إلى دعم الرئيس الأمريكي المطلق لنتنياهو؛ وعدم تجاوز الحكومات العربية سقف الإدانات الشكلية لجرائم الاحتلال طيلة السنوات السابقة يبقى هذا السيناريو مُستبعدًا.

5- اشتعال انتفاضة فلسطينية في الضفة؛ وهو سيناريو يعززه تصاعد عدوان الاحتلال والمستوطنين على أهالي الضفة؛ وتدمير مخيمات شمال الضفة؛ واستمرار الإبادة في غزة؛ لكنه يواجه رفضًا من السلطة الفلسطينية التي تخشى انهيار مؤسساتها وأجهزتها الأمنية.

مواجهة مخطط الحسم الإسرائيلي

إن نجاح سياسة الحسم الإسرائيلية يؤدي إلى تصفية القضية الفلسطينية؛ وستطال تأثيراتها كامل المنطقة العربية؛ لذا فإن إفشال المخططات الإسرائيلية يتطلب تنسيقًا فلسطينيًّا وعربيًّا وفق التالي:

1. على الصعيد الفلسطيني

- توثيق جرائم الاحتلال في الضفة وغزة.

- طي صفحة الانقسام السياسي؛ وتشكيل حكومة وحدة فلسطينية على مبدأ الشراكة.

- إطلاق حملات دبلوماسية بدعم عربي وإسلامي لإفشال مخططات الاحتلال.

- وقف التنسيق الأمني تنفيذًا لقرارات سابقة؛ ومنها قرارات (المجلس المركزي مارس 2015م؛ المجلس المركزي يناير 2018م؛ رئاسة السلطة مايو 2020م؛ المجلس المركزي فبراير 2022م؛ رئاسة السلطة يناير 2023م).

- تشكيل لجان شعبية للدفاع عن البلدات الفلسطينية التي تتعرض لعدوان المستوطنين.

- إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية؛ والدعوة لإجراء انتخابات فلسطينية شاملة دون اشتراطات.

- الدعوة لتنظيم مؤتمر دولي لإعادة إعمار غزة؛ ومخيمات شمال الضفة.

- التوقف عن تجريم المقاومة وملاحقة المقاومين في الضفة.

- التوافق على برنامج وطني لمواجهة مخططات حكومة نتنياهو.

- استنهاض الجاليات الفلسطينية في الخارج؛ وتفعيل دورها في إسناد غزة والضفة.

- اعتماد المقاومة الشاملة خيارًا لمواجهة مخططات الاحتلال.

2- على الصعيد العربي

- قطع العلاقات السياسية والأمنية والاقتصادية مع الاحتلال.

- دعم الخطوات الفلسطينية في مواجهة مخططات الاحتلال.

- إطلاق حملات لإغاثة غزة وكسر الحصار المفروض عليها منذ 18 سنة.

- قيام النخب والأحزاب والنقابات العربية بدورها في دعم القضية الفلسطينية.

- إطلاق حملات دبلوماسية لمناهضة مخطط إقامة "إسرائيل الكبرى".

- إطلاق حملات إعلامية عربية لتوثيق جرائم الاحتلال.

- تفعيل اتفاقيات الدفاع العربي المشترك.

- تنظيم وفود رسمية وشعبية عربية لزيارة قطاع غزة.

- إطلاق حملات رسمية وشعبية للتبرع النقدي وتمويل إعمار غزة ومخيمات شمال الضفة.

- التوقف عن تجريم المقاومة الفلسطينية عبر الإعلام العربي.

- تشكيل فرق حقوقية عربية لتوثيق جرائم الاحتلال؛ وملاحقة قادته أمام المحاكم الدولية.

الخاتمة

إن قراءة متأنية لإجراءات وقرارات حكومة نتنياهو؛ ومتابعة عدوانها المتصاعد ضد الفلسطينيين تشير إلى أنها ماضية في سياسة الحسم والتهجير في الضفة وغزة؛ بهدف إقامة "إسرائيل الكبرى"؛ والإدانات الرسمية العربية ينبغي أن تتبعها خطوات سياسية وميدانية فاعلة ومؤثرة على كيان الاحتلال وداعمه الرئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ فإفشال سياسة الحسم الإسرائيلية تبدأ من دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته المشروعة التي تمثل اليوم العقبة الرئيسية أمام مخططات اليمين الإسرائيلي المتطرف.

المصدر / فلسطين أون لاين