فلسطين أون لاين

تحليل: من ديرمر إلى ترامب.. مبادرات بلا ضمانات لوقف العدوان

...
تحليل: من ديرمر إلى ترامب.. مبادرات بلا ضمانات لوقف العدوان
غزة/ علي البطة

أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، طرح ما وصفه بـ"حل ممكن" لإنهاء حرب الإبادة على قطاع غزة. لكن المقترح، الذي قدم باعتباره مبادرة أمريكية جديدة، لا يعد في جوهره سوى إحياء لخطة إسرائيلية وضعها وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر قبل أكثر من ستة أشهر، تقوم على فرض شروط الاحتلال تحت غطاء دولي.

الخطة التي تبناها ترامب تقوم على معادلة واضحة، "تحصل إسرائيل على أسرى الحرب وتجريد غزة من السلاح وبقاء اليد الأمنية لها، ثم يبدأ الحديث عن وقف العدوان"، وقد جرى تسويق هذه الرؤية مؤخرا بلسان أمريكي، بهدف إظهارها كعرض وساطة، بينما هي في الحقيقة نسخة مكررة من الطرح الإسرائيلي القديم.

بهذا التبني، يسعى الجانب الأمريكي لتوفير مظلة سياسية وإعلامية تعيد شرعنة استمرار الحرب والجرائم في غزة، وتمنح تل أبيب غطاء لتمرير شروطها كاملة، مع تحميل الفلسطينيين مسؤولية الرفض والدمار، إن لم يوافقوا على هذه الإملاءات.

خطة ديرمر.. في ثوب أمريكي

وكانت صحيفة معاريف العبرية، كشفت أن الخطة التي تبناها ترامب مؤخرا تستند حرفيا إلى مبادئ بلورها رون ديرمر، وزير نتنياهو المقرب، منذ أكثر من نصف عام. ووفق معاريف، جرى إعداد ورقة تفاهم تحدد خمس نقاط مركزية: نزع سلاح حماس، استعادة الأسرى، تجريد القطاع، بقاء السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وتشكيل حكومة لا تمثل حماس أو السلطة.

اعتمدت الرؤية على فكرة نقل المبادرة من تل أبيب إلى واشنطن، لتبدو الخطة أمريكية، بينما تظل إسرائيل في موقع "الموافق" الذي قدم ما عليه، بينما يترك الطرف الفلسطيني للمساءلة الدولية إن رفض.

الخبير في الشأن الأمريكي د. نعيم الريان، أوضح أن الحديث عن مقترحات جديدة لا يعكس إرادة حقيقية لوقف الحرب، بل يستخدم كغطاء إعلامي لتبرير استمرار العدوان.

وقال الريان لـ "فلسطين أون لاين"، "الجانب الفلسطيني وافق على المقترح الأمريكي قبل الأخير، لكن لم نسمع قبولا إسرائيليا أو موقفا أمريكيا صريحا.. ما يجري هو محاولة لإعادة تحميل الفلسطينيين مسؤولية الدم".

وأضاف أن الاحتلال، بعد خسارته المعنوية والسياسية عالميا، يحتاج إلى "غطاء إعلامي بوزن ثقيل" لتبرير مجازره، والتلويح بخطط تهدئة هدفه الوحيد كسر الجبهة الداخلية الفلسطينية وإحداث شرخ داخلي.

واشنطن تتبنى الرؤية الإسرائيلية

من جانبه، أكد الباحث في الشأن الإسرائيلي سهيل خليلية، أن لا وجود لأي خطة أمريكية حقيقية لإنهاء الحرب. مضيفا، "كل ما يطرح هو إعادة تدوير لمقترحات إسرائيلية تنقل إلى واشنطن، لتبدو كأنها أمريكية. لا أحد في البيت الأبيض يفرض شيئا على نتنياهو".

وشدد خليلية لـ"فلسطين أون لاين"، على أن الموقف الأمريكي ليس مرتبطا فقط بغزة، بل يشمل الإقليم بأكمله. مشيرا إلى أن "اتفاقيات أبراهام" مثال واضح على أن واشنطن تروج لرؤية إسرائيلية لا أكثر، وتوظف أدواتها في المنطقة لإنجاح هذه الرؤية.

مبادرة بلا ضمانات

ويؤكد المحلل السياسي د. إياد القرا أن تصريحات ترامب الأخيرة لم تحمل أي ضمانات لوقف الحرب، بل جاءت كدعم مباشر لنتنياهو. وأضاف القرا لصحيفة "فلسطين"، نموذج مارس الماضي يتكرر، "مقترحات جزئية، ثم انسحاب إسرائيلي من التفاهمات، واستئناف العدوان".

وبين القرا لـ"فلسطين أون لاين" أن المبادرة، التي جرى إعدادها بدعم من ديرمر، تقوم على تسلسل خطير: تسلم المقاومة أولا الأسرى، ثم يبدأ الحديث عن وقف إطلاق النار. وقال إن هذا النهج يضع الفلسطينيين في موقع المتهم دوما، ويستخدم لإطالة أمد الحرب.

السيناريوهات المحتملة

الخبراء رصدوا أربعة سيناريوهات محتملة لمصير المقترح، الأول صفقة جزئية تمنح إسرائيل أسرى، وتبقي باب الحرب مفتوحا، وسيناريو يتوقع "تصعيد دموي" يسبق أي اتفاق لتكثيف الضغط.

واحتمال التوصل لصفقة شاملة، لكنها تتطلب ضمانات دولية واضحة، وهو أمر مستبعد حاليا، برأي الخبراء، والسيناريو الرابع يتوقعوا فيه "فشل تام للمقترح"، كما حدث في جولات التفاوض السابقة، ما يبقي العدوان مستمرا.

وبحسب الخبراء، لا تختلف خطة ترامب الحالية كثيرا عن "صفقة القرن" التي أطلقها عام 2020. لكن الفارق أن الظروف الآن أكثر دموية، والرهان يتم على استثمار آلام الحرب لفرض شروط الاحتلال.

تقول الخطة الترامبية، إما أن توافق قوى المقاومة، أو تتحمل مسؤولية الدم، وهي معادلة تهدف بالأساس إلى تجريد غزة من أدواتها، وتكرار تجربة إخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت عام 1982، وفق مراقبين.

إدارة أمريكية للعدوان لا وساطة

ويذهب الخبراء إلى أن ما طرح باسم ترامب ليس اقتراحا لهدنة، بل هو إعادة تسويق لخطة إسرائيلية قديمة بصوت أمريكي جديد.

وبينما تظهر واشنطن كوسيط، تواصل أداء دور الغطاء السياسي والعسكري لحكومة نتنياهو. أما الطريق لوقف الحرب، فلا يمر عبر هذه الطروحات، بل عبر ضغط فلسطيني وعربي ودولي حقيقي، وتكلفة سياسية تردع الاحتلال عن مواصلة عدوانه المتواصل على غزة منذ أكثر من ٧٠٠ يوم.

 

المصدر / فلسطين أون لاين