في خضم التطورات الدامية التي يعيشها قطاع غزة منذ ٢٣ شهراً، واستمرار جيش الاحتلال الإسرائيلي في عمليته العسكرية التي يسعى من خلالها لاحتلال مدينة غزة، ما أدى إلى ارتقاء مئات الشهداء وإصابة آلاف آخرين ونزوح مئات العائلات الغزية من المناطق الشرقية والشمالية إلى الغربية، عبّر رئيس قسم فلسطين في حركة البناء الوطني بالجزائر د. حمود كبور، عن قلقه البالغ من الأوضاع الإنسانية والسياسية الجارية، مؤكداً أن ما يحدث في القطاع ليس مجرد حرب عادية، بل إبادة شاملة تهدف إلى اقتلاع شعب بأكمله من أرضه.
يقول كبور لصحيفة "فلسطين": "نتابع بقلق كبير حملة التصعيد التي يقودها جيش الاحتلال الصهيوني على شمال وجنوب ووسط وغرب مدينة غزة، مستخدماً الطائرات والمدفعية والزج بقواته البرية، لتنفيذ أبشع الجرائم من هدم وتدمير، وحتى استخدام الروبوتات المفخخة".
وأشار إلى أن هذه الجرائم تخلف يومياً أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى، غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى موجات نزوح متزايدة.
وأضاف أن الأخطر من ذلك أن غزة، التي أنهكها حصار دام سبعة عشر عاماً، تواجه اليوم حرب إبادة شاملة، وتطهيراً عرقياً منظماً، يستهدف محو هويتها وإنهاء وجودها بالكامل.
وعن إصرار الاحتلال على احتلال غزة وتهجير السكان، وصف كبور ما يجري بأنه "خطة استنزاف محكمة تهدف لإفراغ المدينة من سكانها عبر القصف الجوي والمدفعي المتواصل حتى على خيام النازحين.
وقال: "هذه ليست مجرد عملية عسكرية لاحتلال المدينة، بل مشروع تهجير قسري كامل. الاحتلال يريد تفريغ غزة بالقوة لإحكام سيطرته، لكن أهل غزة واجهوا ذلك بصمود أسطوري. لقد قالوا للعالم بوضوح: لو ضربونا بالنووي، لن نغادر أرضنا شبراً واحداً".
وكانت حكومة الاحتلال صادقت في وقت سابق على قرار احتلال مدينة غزة، حيث بدأت بالتحشيد العسكري واستدعاء الالاف من جنود الاحتياط، ويتزامن ذلك مع استمرار العملية العسكرية في المناطق الشرقية من المدينة. ويأتي تكثيف الاحتلال من القصف والتدمير والتفجيرات في إطار الضغط على سكان المدينة وإجبارهم على إخلاء منازلهم والنزوح نحو جنوب القطاع.
مرونة غير مسبوقة
وأكد كبور أن المقاومة الفلسطينية أبدت مرونة غير مسبوقة، حيث أعلنت حماس والفصائل استعدادها للذهاب إلى صفقة شاملة، يتم بموجبها تبادل الأسرى وإنهاء الحرب وفتح المعابر وبدء الإعمار، لكن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كما يقول، يرفض أي اتفاق ينهي الحرب لأن مستقبله السياسي مرهون بنتائجها، وفشله يعني سقوط حكومته.
وأضاف "نتنياهو يرضخ لضغوط اليمين المتشدد، وينصاع لمطالب بن غفير وسموتريتش بمواصلة الحرب وحتى احتلال القطاع وفرض حكم عسكري عليه. إنه يسعى للنجاة سياسياً على حساب دماء الأبرياء في غزة".
وعن الدور العربي والدولي، رأى المسؤول الجزائري، أنه من الضروري التمييز بين مواقف الشعوب ومواقف الأنظمة. فالشعوب العربية – كما يوضح – تفاعلت بقوة مع معركة طوفان الأقصى، وانخرطت في دعم المقاومة وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني، كلٌ وفق إمكانياته.
أما على مستوى الأنظمة، فيشير إلى أن بعضها اكتفى بالحياد والبيانات الباردة رغم امتلاكه أوراق ضغط على الاحتلال. في المقابل، هناك دول انحازت بوضوح للحق الفلسطيني، وأيدت المقاومة، وبذلت جهوداً كبيرة لإيقاف الحرب وإدخال المساعدات. بينما اصطفت دول أخرى مع الكيان، وذهبت إلى شيطنة المقاومة، مساوية بين الضحية والجلاد.
جريمة حرب
وعن استمرار المجاعة في قطاع غزة، علّق كبّور بقوله "المجاعة في غزة ليست نتيجة كوارث طبيعية، بل جريمة حرب مكتملة الأركان".
ويستشهد بتقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية، واليونيسف، وبرنامج الغذاء العالمي، ومنظمة الأغذية والزراعة، التي أكدت أن أكثر من نصف مليون شخص يعانون المجاعة، وأن الوضع الغذائي في محافظة غزة دخل مرحلة الانهيار.
واستدرك "لكن ورغم هذه التحذيرات، لم تحرك الأمم المتحدة ساكناً لإيقاف الحرب أو ضمان فتح المعابر. وهكذا تفاقمت الكارثة حتى صار من لا يموت بالقصف، يقتل جوعاً".
وأضاف: "المساعدات التي يتم إدخالها عبر ما يسمى بمؤسسة غزة اللا إنسانية – التي أنشئت بإشراف أمريكي – تحولت إلى أدوات إذلال وفخاخ موت، تُستخدم لفرض الإذلال الجماعي بدلاً من إنقاذ الأرواح".
وشدد على أن ما يجري في غزة ليس صراعاً عادياً، بل معركة وجود، وأن صمود الفلسطينيين أمام آلة الحرب والجوع والتهجير هو أبلغ رد على كل المخططات الاستعمارية.
وختم حديثه "غزة لا تدافع فقط عن نفسها، بل عن كرامة الأمة كلها. وعلى الأحرار في العالم أن يدركوا أن واجبهم اليوم هو نصرة هذا الشعب الذي يقف في الخط الأمامي لمواجهة مشروع اقتلاع وتطهير عرقي خطير"