فلسطين أون لاين

استهداف مكثف يدمّر منازل ويهجّر سكان شارع النفق وحي المنارة غرب غزة

...
استهداف مكثف يدمّر منازل ويهجّر سكان شارع النفق وحي المنارة غرب غزة
غزة/ يحيى اليعقوبي

بيوت كانت تضج بالحياة أصبحت خالية من سكانها، وتحولت إلى هياكل صامتة تُركت نوافذها مفتوحة للغبار والهواء والطيور وشظايا الصواريخ. وأخرى طالها القصف المدمّر، فصارت ركامًا متناثرًا في الشوارع. وبينما يهرع المواطنون لالتقاط بعض الأغراض والمستلزمات بوجوه منهكة وخطى متسارعة، تجوب الطائرات الحربية الإسرائيلية دون طيار سماء منطقة شارع النفق وحي المنارة بمدينة غزة، في حين لا يتوقف القصف المدفعي الذي يتركز حول بركة الشيخ رضوان.

بقلوب مثقلة ونفوس مرغمة على النزوح، يحمل الأهالي أمتعتهم وذكرياتهم، ويرحلون مشيًا على الأقدام أو عبر حافلات وعربات "تكتك" تراكمت فوقها الأغطية وحاجات النزوح، وكأنها بيوت متنقلة نحو غرب المدينة بحثًا عن مكان أكثر أمنًا. يغادر كل واحد منهم منزله وهو يلقي نظرات الوداع الأخيرة على بيته وحارته، ناجيًا بروحه في منطقة يركز الاحتلال قصفه عليها، حيث تتفجر الروبوتات المفخخة محدثة دمارًا هائلًا في مربعات سكنية كاملة، يصل تأثيرها وتناثر شظاياها إلى نحو 100 متر بعيدًا عن موقع الانفجار.

حتى وقت قريب، كان شارع النفق حيويًا يربط غزة القديمة بأحيائها الشمالية، ويمثل ملاذًا للنازحين من الصبرة والزيتون، لكنه اليوم تحوّل إلى منطقة مستهدفة وممر جديد للمشردين.

في أحد الشوارع الفرعية الواصلة بين حي المنارة وشارع النفق، كان سامي مهدي وأشقاؤه يحاولون انتشال بعض مقتنياتهم من تحت ركام منزلهم الذي دمّر مع ستة منازل مجاورة. المربع السكني لم يعد صالحًا للعيش بعد تدمير منازله وتضرر العشرات منها، بينما يتواصل القصف وإطلاق الرصاص من الطائرات المسيرة العمودية "كواد كابتر".

تغيير معالم

لم يتخيل مهدي أن مشوارًا لم يتجاوز الساعة سيحوّل منطقته إلى أطلال. عاد ليجد زلزالًا غير معالمها. وقف مصدومًا أمام منزله المدمر، ولم يخفف عنه سوى نجاة عائلته وعائلات أشقائه الذين تمكنوا من الإخلاء قبل دقائق من القصف.

يقول لـ "فلسطين أون لاين" وهو يزيل الركام بملامح مذهولة: "لا نعرف لماذا قصفوا المنزل؟ نحن نعمل في المقاولات فقط. فجأة هدّدت مخابرات الاحتلال أحد الجيران وأعطته دقائق لإخلاء المربع السكني، فيما كانت نساؤنا وأطفالنا بينهم ذوو إعاقة بمفردهم في البيوت يعيشون لحظات رعب حتى خروجهم".

5897877914848971117.jpg

ويضيف: "المسيّرات (كواد كابتر) كانت تقيّد حركتنا. بالكاد نستطيع الخروج بين التاسعة صباحًا والواحدة ظهرًا، ثم نلتزم المنازل بسبب كثافة تحليقها واستهداف أي حركة".

لم يتجه مهدي نحو جنوب القطاع، بل نصب خيمة في غرب مدينة غزة، معتبرًا أن لا فرق في مستوى الأمان مع استباحة الاحتلال لمنطقة "المواصي" التي أُعلنت إنسانية. ويقول إن تكاليف نقل الأمتعة باهظة ولا طاقة لهم بها.

 أفعال إجرامية

على مقربة، يقف المحامي وليد فطيمة مذهولًا أمام منزله الذي بناه قبل 37 عامًا على مساحة 320 مترًا مربعًا. القصف دمّر البيت المكوّن من أربع طبقات كان يسكنه 20 فردًا. يشير إلى الواجهة الرخامية التي شوّهتها الصواريخ والفتحات الكبيرة في الأسقف، ويتساءل بقهر: "لماذا استهدفوا بيتي؟ أنا محامٍ، حتى أنني ترافعت أمام محاكمهم العسكرية. ما فعلوه أفعال إجرامية، لا تقوم بها حتى العصابات. إنها جريمة بحق الإنسانية بهدف طرد الناس من بيوتهم".

5897877914848971113.jpg

نزح فطيمة عن بيته مؤقتًا قبل يوم من القصف، تاركًا أحد أبنائه وعائلته بداخله. "تلقينا تهديدًا مباشرًا بقصف المنزل، فاضطررنا لإخلائه والمبيت خارجه. وفي اليوم التالي وقع القصف، فخرج ابني وأطفاله يركضون هاربين من وسط النيران"، يقول وهو يصرّ بعزيمة: "سنعيد إعمار البيت ولن نهاجر من أرضنا".

مجازر متكررة

على الجانب الآخر، لم يمنح الاحتلال عائلة الجليسي أي مهلة للإخلاء، فقصفت طائراته منزلهم على رؤوس ساكنيه، لتقع مجزرة أودت بحياة نحو 12 شهيدًا. يقول أبو محمد العرابيد، شاهد عيان على الجريمة، لـ فلسطين أون لاين: "العائلة فقيرة، لم تتمكن من النزوح. أخرج الرجال النساء والأطفال وبقوا هم في المنزل، لكن الاحتلال باغتهم بالقصف فسقطوا جميعًا تحت الأنقاض".

أما درغام الديب، الذي نزح من حي الزيتون إلى حي النفق قبل أسبوعين بحثًا عن الأمان، فقد وجد نفسه في منطقة مستهدفة من جديد. وهو يحزم أغراضه للرحيل مجددًا نحو غرب المدينة، يقول: "نزحنا 15 مرة منذ بداية الحرب، من غزة إلى الجنوب ثم عدنا، نعيش حربًا حقيقية من قصف وتجويع".

تحمل طفلته لانا حقيبة صغيرة، وتقول ببراءة: "تعبنا من القصف والموت والدمار.. بدنا نرجع نلعب وندرس".

منذ نحو ثلاثة أسابيع، صعّد الاحتلال عدوانه في منطقة شارع النفق وبركة الشيخ رضوان مستخدمًا نحو 100 روبوت مفخخ أحدث دمارًا واسعًا في الأحياء السكنية، في مشهد يختصر حجم الجريمة المستمرة بحق المدينة وسكانها.
 

المصدر / فلسطين أون لاين