فلسطين أون لاين

​"اختلاف العلماء".. تيسيرٌ للدين بلا إفراط أو تفريط

...
غزة - نسمة حمتو

"اختلاف العلماء رحمة" قاعدة من خلالها نعلم مدى يسر الدين الإسلامي في التعامل مع بعض الأمور الدينية، ولكن هناك من يتخذون من قاعدة الاختلاف ذريعة إما للتشدد في الأمر وإرهاق النفس، أو للتيسير فيه إلى حد الوقوع في الخطأ، فكيف يتعامل المسلم مع قاعدة اختلاف العلماء؟ وكيف يكون في منطقة وسط بين التشديد والتيسير إذ ما أخذ بالاختلاف؟

اختلاف التفسير

قال أستاذ الفقه وأصوله في الجامعة الإسلامية الدكتور ماهر الحولي إن "هذه القاعدة أتت على أساس وجود ثوابت في الشريعة الإسلامية، كما هو شأن العقيدة وشأن المبادئ العامة في الشريعة".

وأضاف لـ"فلسطين" أن "اختلاف العلماء في فهم الدليل الشرعي فيما يترتب عليه من الأحكام الشرعية والفقهية، إنما هو اختلاف في تفسير النص الشرعي أو استنباط الحكم منه، وهذا الاختلاف مستند لدليل شرعي".

وتابع: "لذلك نلاحظ أن اختلاف الأئمة الأربعة في المسألة الواحدة يعود إلى مسوغات مقبولة في الفهم للدليل أو المعنى اللغوي أو سبب نزول الآية أو التعارض الظاهري للنصوص الشرعية".

وواصل: "بالتالي، حين يختلف العلماء، يستند انعكاس هذا الاختلاف على العامة، وهذا ما يتمثل في الرحمة، لأن هذا الدين واسع يتوافق مع أفكار الناس".

وأوضح الحولي أن: "الخطورة تكمن فيمن يتعمد التشدد أو يتعمد التشديد في الميسر، فالقاعدة تقول: "لا إسراف ولا تفريط".

وبيّن أن البعض قد يتعامل مع هذا الاختلاف بنوع من التشدد، وقد يتعامل آخرون بسوء فهم، فيتحول الاختلاف إلى تسيب ومخالفة للأمر".

وضرب الحولي مثالا على اختلاف العلماء، فالإمام الشافعي يقول إن لمس المرأة، سواء بشهوة أو بغير شهوة، ينقض الوضوء، فيما يقول أبو حنيفة أن اللمس لا ينقض الوضوء، موضحا: "الأخذ برأي الشافعي يجوز، ولكن ما لا يجوز هو التشدد وإنكار الأمر على الآخرين، وكذلك نفس الأمر لمن أخذ برأي أبي حنيفة".

ونوه الحولي إلى أن الوصول للتشدد في المسائل المُختلف فيها يكون عن طريق ترك المذهب المأخوذ في بلاده وتتبع الآراء المختلفة بما فيه تشدد متعمد، والأمر ذاته لمن يتتبع الآراء الميسرة بشكل متعمد من أجل الوصول للتسيب.

وقال: "الاختلاف في أصله جائز إذا كان الاختلاف في أسباب النزول أو في المعنى اللغوي أو في تفاوت الفهم بين العلماء، وفي الأشياء التي تحمل الاختلاف، وليس في الأمور القطعية التي أدلتها واضحة كتحريم الربا أو الظلم".

وأكد الحولي أن الشريعة الإسلامية جاءت بمبادئ التيسير ورفع الحرج والمشقة عن الناس، وكثير من الآيات القرآنية، الأحاديث النبوية تدعو لليسر، ومن ذلك قوله تعالى "إن مع العسر يسرا"، وقوله: "يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر"، وقولنا رسولنا الكريم: "إنما بعثتم ميسرين".

وأوضح: "هذه الوسطية تكون في نفس الإنسان وتعاملاته مع أهله والمجتمع، ولا بد أن تظهر في سلوك العلماء وفتاواهم باليسر والسهولة، مما يجعل الناس يتمسكون بالدين أكثر وأكثر".