على وقع المجاعة والحصار وحرب الإبادة الإسرائيلية، يعيش الغزيون للشهر الثاني والعشرين من الحرب أملاً يتجدد كل صباح بإنهاء العدوان الإسرائيلي ووقف نزيف الدم المستمر. فبينما تتفاقم الأوضاع الإنسانية ويصحو المواطنون على أخبار استشهاد مزيد من سكان قطاع غزة، لا يزالون يتمسكون بحقهم في الحياة الكريمة والعيش بسلام.
ورغم دخول بعض السلع الغذائية إلى أسواق قطاع غزة عبر الشاحنات التجارية، فإن أسعارها باتت بعيدة عن متناول الغالبية الساحقة من السكان، فيما صار الطحين عملة نادرة، وإن توفر فإن سعر الكيس الواحد يفوق قدرة معظم العائلات على الشراء، ليجد المواطنون أنفسهم أمام معادلة قاسية؛ إما الجوع أو الديون.
سهير رجب (37 عامًا)، وهي نازحة من محافظة شمالي قطاع غزة، تجلس في خيمة صغيرة مع أطفالها الأربعة وقد بدا عليهم شحوب الوجه. تقول بصوت متعب لصحيفة "فلسطين": "أطفالي يسألونني كل صباح عن الخبز. لا أستطيع أن أوفر لهم رغيفًا واحدًا كما في السابق. الحرب حرمتنا من بيوتنا، والآن تحرمنا من لقمة العيش. كل ما نرجوه أن تنتهي هذه المأساة ونعود إلى حياتنا البسيطة."
ومطلع مارس/ آذار 2025، أغلق جيش الاحتلال معابر قطاع غزة، وحال ذلك دون وصول المساعدات الإغاثية إلى المواطنين، ورافق ذلك مجاعة شديدة راح ضحيتها عدد من المواطنين بينهم أطفال، ولاحقًا سمح جيش الاحتلال بإدخال المساعدات دون تأمينها، ما جعلها عرضة للسرقة من اللصوص وقُطّاع الطرق لتباع لاحقًا في الأسواق بأسعار مرتفعة.
وترك ذلك تداعيات خطيرة على الأوضاع الإنسانية رغم السماح بإدخال السلع التجارية ووصولها إلى المخازن تحت إجراءات تأمين خاصة أوجدها أصحاب تلك السلع.
في أحد أزقة مدينة غزة، يقف أحمد عمارة أمام بقايا دكانه الصغير الذي كان يبيع فيه مواد غذائية قبل الحرب. يشير إلى رفوف شبه فارغة، ويقول: "السلع موجودة في الأسواق لكنها للميسورين فقط. كيس الطحين يباع بأضعاف ثمنه. الناس هنا ينامون وهم جائعون. الجوع. الحرب أنهكتنا جميعًا، لم نعد نريد سوى وقفها، حتى نعيد بناء حياتنا وإطعام أبنائنا."
أما أمينة إبراهيم (29 عامًا)، وهي أم لثلاثة أطفال، والتي فقدت منزلها شرقي مدينة غزة، وأجبرت ومن تبقى من عائلتها على النزوح إلى غربي المدينة، قالت وهي تحمل طفلها الرضيع: "أرضع طفلي وأنا لا أتناول سوى القليل من الطعام."
وتتساءل أمينة البالغة (32 عامًا): "كيف سينمو طفل في ظل هذا الحصار؟ لا نحتاج معونات مؤقتة فحسب، بل نحتاج إلى نهاية هذا العدوان، حتى تتوقف معاناتنا ويكبر أطفالنا بسلام مثل باقي أطفال العالم."
وبينما يتنقل رائد محمد (53 عامًا) بين محلات مدينة غزة بحثًا عن أرخص سعر للسكر والزيت، يختصر حال المواطنين بقوله: "لا نطلب المستحيل. نريد حياة طبيعية، أن ندرس ونعمل ونعيش مثل باقي الناس. هذه الحرب سرقت أحلامنا، وآن الأوان أن تنتهي."
تتعدد الشهادات، لكن جميعها تتقاطع عند مطلب واحد: إنهاء الحرب والحصار، وفتح الطريق أمام حياة كريمة خالية من الجوع والدمار الذي تسببت به حرب الإبادة. وفيما يتزايد عدد الشهداء الذين ارتقوا أثناء انتظارهم حزم المساعدات، يبقى أمل الغزيين أن يلتفت العالم إلى صرخاتهم، وأن تتوقف آلة الحرب التي أطفأت أحلامهم وأثقلت أيامهم بالوجع.
وأعلنت، مؤخرًا، الأمم المتحدة المجاعة في قطاع غزة، وحذرت من تدهور آخر للأوضاع الإنسانية مع استمرار حرب الإبادة وجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المدنيين، الذي تعمد قتل منتظري المساعدات في أكثر من منطقة في قطاع غزة، وأوقع في صفوفهم أكثر من 1500 شهيد، وفق ما أفادت به تقارير محلية.
رغم كل ما يعصف بهم من محن، يتمسك المواطنون في غزة بالأمل، مؤمنين بأن هذه الحرب، مهما طال أمدها، ستنتهي ذات يوم، لتبقى رغبتهم في الحياة أقوى من الموت، وصمودهم شهادة حية على إنسانيتهم المهدورة.

