فلسطين أون لاين

تقرير سرقة المساعدات في غزة.. تجارة سوداء تفاقم الجوع وتعمّق الفجوة الاقتصادية

...
غزة/ رامي رمانة:

كان يفترض أن تخفف المساعدات الإنسانية من وطأة الحرب والجوع في غزة، لكنها تحولت – بسبب سرقتها وبيعها في السوق السوداء – إلى عبء إضافي يفاقم الأزمة. وبينما يزداد الفقراء فقرًا، تتشكل طبقة جديدة من المتنفذين تتحكم في الأسعار وتفرض واقعًا اقتصاديًا مشوهًا على المجتمع.

وسط هذا الواقع القاسي، تتزايد حكايات الألم. يقول سائد العبويني (45 عامًا)، وهو أب لسبعة أطفال: "لم أستطع الاقتراب من شاحنات المساعدات، لأنني رأيت بأم عيني الرصاص يصيب الناس. أفضل أن أعود لأولادي خالي اليدين على أن أعود لهم جثة."

ويضيف: "السوق اليوم متاح فقط لمن يملك مصدر دخل، أما من لا يملك، فالجوع يلتهمه وأطفاله."

أما وسيم الدباغ (38 عامًا) فيروي تجربته بمرارة: "حصلت مرة واحدة على كيس دقيق بعد يوم كامل من الانتظار والتدافع، لكنني دفعت ثمنًا باهظًا حين أصبت في ساقي أثناء الفوضى."

ويتابع: "الآن نعيش على ما تيسّر، ولا نملك ثمن الطعام الذي يبيعه التجار بأضعاف سعره.

هذه الشهادات تكشف حجم المأساة اليومية التي يعيشها الغزيون بين مواجهة الخطر المباشر أو الاستسلام للجوع. وفي ظل غياب آليات توزيع عادلة وضعف الرقابة، ترتفع أسعار السلع بشكل جنوني، حيث يسيطر من يوصفون بـ"لصوص المساعدات" على جزء كبير من الأسواق. هؤلاء يحصلون على المواد مجانًا ثم يعيدون بيعها بأسعار باهظة، ما يزيد الضغط على الأسر الفقيرة ويضعف القدرة الشرائية للناس، فيما يعجز التجار الصغار عن مجاراة هذا الواقع.

مخاطر اقتصادية واجتماعية

الخبير الاقتصادي محمد العف يؤكد أن هذه الظاهرة ليست مجرد أحداث عابرة، بل أمر مدبّر وممنهج، ساعدت عليه حالة العوز والجوع المنتشرة بين الناس. ويحذر من أن اعتراض شاحنات المساعدات قرب نقاط التفتيش الإسرائيلية يجعل المدنيين أهدافًا سهلة لنيران الجيش، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى، وترك أسر بلا معيل، إضافة إلى إصابات تحتاج إلى رعاية دائمة.

اقتصاديًا، يوضح العف أن خطورة هذه الممارسات على المدى القريب تتمثل في حرمان مئات الآلاف من الغذاء، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني نتيجة تحكم "لصوص المساعدات" بالسلع الأساسية. أما على المدى البعيد، فيحذر من تشكل طبقة تجارية طفيلية تسيطر على الأسواق ورأس المال، بينما تنهار رؤوس الأموال الشرعية وتهاجر خارج القطاع. ويؤدي ذلك – بحسبه – إلى تشوّه المنحنى الاقتصادي، وفقدان الضوابط التجارية، وانتقال السيطرة الاقتصادية إلى أيدٍ لا تراعي التزامات مجتمعية أو أخلاقية.

ويختتم العف بالقول إن وقف هذه الظاهرة يتطلب بذل كل الجهود لضمان وصول المساعدات عبر المؤسسات الرسمية والجهات الموثوقة، بما يحقق العدالة ويحفظ كرامة الناس. مشددًا على أن استمرار الوضع الحالي يعني تراكم آثار مدمرة ستستمر لسنوات طويلة، حتى بعد توقف الحرب.

المصدر / فلسطين أون لاين