في قلب حي الصبرة وشارع 8 بقطاع غزة، تتكشف مأساة إنسانية تُدمي القلوب، حيث يعيش السكان تحت وطأة الخوف والدمار الناجم عن القصف العنيف وحصار طائرات "الكواد كابتر" التي تطلق الرصاص على كل ما يتحرك. نساء وأطفال وكبار سن يفرون من منازلهم تاركين خلفهم ذكرياتهم وممتلكاتهم، بحثًا عن أمل ضئيل بالنجاة. يروي هذا التقرير قصصًا إنسانية مؤلمة تعكس صمود شعب غزة في مواجهة ظروف قاسية، ويسلط الضوء على معاناة النازحين الذين يواجهون الحرمان والخطر في كل خطوة.
في حي الصبرة، تحوّلت الشوارع إلى مسرح للرعب، حيث تحلق طائرات "الكواد كابتر" في سماء المنطقة مستهدفة كل ما يتحرك. الحاجة شادية التميمي، إحدى سكان الحي، أصيبت بالإغماء من شدة الخوف أثناء محاولتها الفرار. أما زوجة ابنها، معزز، فقد عاشت لحظات من الذعر وهي تركض حاملة حفيدها البالغ من العمر ستة أشهر، وفجأة شعرت بدماء تتناثر على عباءتها، لكنها لم تتمكن من التوقف لمعرفة مصدرها، إذ كان الرصاص ينهمر كالمطر من الطائرات المسيرة. في تلك اللحظات المرعبة، لم يكن أمامها سوى مواصلة الركض بحثًا عن الأمان، بينما كانت الدماء تغطي ملابسها دون أن تعرف مصدرها، مما زاد من هلعها وقلقها على سلامتها وسلامة حفيدها.
هروب جماعي
تحت وطأة القصف العنيف والرصاص المتواصل، اضطر سكان حي الصبرة وشارع 8 إلى الفرار من محيط المجمع الإسلامي، يركضون في الشوارع بحثًا عن ملجأ آمن. وصل النازحون إلى مناطق أخرى منهكين جسديًا ونفسيًا، محمّلين بالخوف والتعب. لكن غزة، التي أصبحت مكتظة بخيام النازحين، لم توفر لهم مأوى كافيًا، فبات العديد منهم يقضون لياليهم في العراء، دون مأوى أو إمكانية الوصول إلى دورات المياه. وكانوا يضطرون إلى طرق أبواب البيوت المجاورة طالبين الإذن لاستخدام دورات المياه لمرة واحدة في اليوم، في مشهد يعكس مدى الحرمان والمعاناة التي يعيشونها.
من بين النازحين، تروي أم سامر الغزالي (70 عامًا) قصتها المؤلمة. خرجت مفزوعة من منزلها برفقة ابنها وزوجته وأحفادها، دون أن يتمكنوا من حمل أي متاع أو ملابس تساعدهم على تحمل مشقة النزوح. الوضع الأمني الخطير منعهم من التفكير في جمع أغراضهم، فكل ما كان يشغلهم هو النجاة بحياتهم. وبعد أن ابتعدوا عن العمارة التي يقطنونها، تلقت أم سامر خبراً مروعًا عبر الأخبار: الاحتلال قصف الشقة التي تعلو شقتها مباشرة، مما أدى إلى استشهاد أم وأطفالها. كما قُصفت شقة أخرى في عمارة مجاورة على بعد أمتار قليلة، مما أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من سكانها.
في اليوم التالي، قررت أم سامر العودة إلى منزلها برفقة ابنها لجلب بعض الملابس لها ولأحفادها. لكن ما إن بدأت بالتحرك حتى استهدفتهم طائرات "الكواد كابتر" مرة أخرى، اخترق الرصاص باب العمارة وجدرانها، مهزًّا المكان بأصواته المرعبة. اضطرت أم سامر وابنها إلى الاختباء في ممر وسط الشقق، ملتصقين بالجدران حتى هدأ الرصاص. وفي النهاية، اضطروا إلى الفرار مرة أخرى دون أن يتمكنوا من جلب أي شيء، لتتكرر مأساتهم للمرة الثانية.
صمود رغم الألم
على الجانب الآخر، اختارت أم أسامة عجور (65 عامًا) البقاء في منزلها في حي الصبرة رغم أوامر الإخلاء، سئمت من مرارة النزوح المتكرر التي عاشتها على مدار أكثر من عام ونصف. تقول: "لم يعد جسمي يقوى على الركض والتنقل. أريد الاستقرار في بيت نظيف، فيه ماء وهواء نقي، وأن أتمكن من أخذ قسط من الراحة متى شئت."
تعبر عن ألمها العميق عندما اضطرت للخروج من منزلها قبل أسبوع، حيث بكت كما لم تبكِ من قبل. وعندما اتصلت بأبنائها وأحفادها، أجهشت بالبكاء خوفًا من فقدهم وهي بعيدة عنهم، مضيفة: "كنا دائماً ننزح معًا، لم نتفرق من قبل. سئمت من التنقل، أريد العيش بكرامة."
يعكس واقع النازحين من حي الصبرة وشارع 8 الصورة القاتمة للحياة في غزة تحت الحصار والقصف. العائلات التي فرت من منازلها لم تجد سوى العراء والحرمان، حيث يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة مثل المأوى والمياه النظيفة والخصوصية. الأطفال، النساء، وكبار السن يعانون ظروفًا نفسية وجسدية صعبة، بينما يظل الخوف من الموت يلاحقهم في كل خطوة.
إن معاناة سكان حي الصبرة وشارع 8 هي جزء من مأساة أكبر يعيشها قطاع غزة. هناك حاجة ماسة إلى تدخل إنساني عاجل لتوفير مأوى آمن، وغذاء، ومياه نظيفة، ورعاية طبية ونفسية للنازحين. كما يتطلب الأمر جهودًا دولية لوقف العنف وحماية المدنيين، ليعودوا إلى حياتهم بكرامة وأمان.

