يدخل قطاع غزة شهره الخامس بلا غاز طهي، في واحدة من أشد الأزمات الإنسانية والمعيشية التي تضرب السكان المحاصَرين منذ سنوات.
ومع استمرار الاحتلال في منع دخول الكميات اللازمة وسط حرب الإبادة، يجد نحو مليوني إنسان أنفسهم أمام واقع خانق يهدد تفاصيل حياتهم اليومية، من إعداد الطعام إلى التدفئة وصناعة الخبز والحلويات.
تقول أم أحمد كراجة، ربة منزل لـ "فلسطين أون لاين": "منذ خمسة أشهر ونحن نحمل الحطب يوميًا للطهي. الدخان يملأ البيوت ويسبب أمراضًا في العيون والجهاز التنفسي، فضلًا عن الجهد البدني الهائل لإعداد وجبة واحدة."
وتشير إلى أن تكلفة شراء الحطب أصبحت عبئًا ثقيلًا، إذ يتراوح سعر الكيلو بين 4 و7 شواقل، وهو ما يفوق قدرة معظم العائلات التي تعتمد على المساعدات.
وتتضاعف المعاناة مع دخول الشتاء، حيث يُستخدم الحطب للطهي والتدفئة وتسخين المياه للاستحمام، ما يجعل الحياة اليومية شبه مستحيلة.
الأزمة لم تتوقف عند حدود المنازل، بل امتدت لتطال قطاعات حيوية في الاقتصاد المحلي. أصحاب المطاعم الشعبية، مثل مطاعم الفول والفلافل، يصفون الوضع بالصعب.
يقول أبو خالد طبازة، صاحب مطعم: "الغاز هو عماد مهنتنا. حاولنا استخدام الحطب والجفت كبدائل، لكنها بطيئة وصعبة التحكم وتؤثر على جودة الطعام. الإنتاج تراجع إلى أقل من النصف، وإذا استمرت الأزمة سنضطر للإغلاق نهائيًا."
أما محال الحلويات، فقد وجدت نفسها أمام معضلة كبيرة. فرغم السماح بدخول بعض المواد الأساسية مثل السكر والدقيق مؤخرًا، يؤكد أصحاب هذه المحال أن انعدام الغاز يعطل قدرتهم على الإنتاج.
يقول عبد اللطيف أموم: "الحلويات تحتاج إلى أفران وحرارة مستقرة، وهذا لا يتوفر بالحطب أو بأي بديل آخر. عمليًا نحن عاجزون عن العمل."
ويُقدَّر احتياج قطاع غزة اليومي من غاز الطهي بأكثر من 500 طن، بينما كان قبل الحرب يتلقى ما بين 250 و350 طنًا يوميًا عبر معبر كرم أبو سالم، وهي كميات بالكاد تلبي الاحتياجات.
أما اليوم، فإن الانقطاع التام للغاز يحوّل الأزمة إلى كارثة معيشية تطال كل بيت وكل مهنة.
ويحذر خبراء محليون من أن استمرار منع دخول الغاز سيؤدي إلى تداعيات خطيرة، ليس فقط على الأسر والمطاعم، بل أيضًا على المخابز والمستشفيات ومحطات المياه والكهرباء التي تحتاج الغاز في بعض مراحل تشغيلها.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد العف أن حرمان المواطنين من هذا المورد الحيوي يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، ويضاعف هشاشة الوضع الإنساني في غزة.
ويؤكد أن إدخال الغاز بشكل منتظم ضرورة عاجلة للحفاظ على حياة المواطنين، معتبرًا أن المورد ليس مجرد سلعة، بل حق إنساني أساسي لا يقل أهمية عن الغذاء والدواء.
وحثّ العف الجهات الدولية والمنظمات الإنسانية على التدخل الفوري والضغط على الاحتلال لضمان تلبية الاحتياجات اليومية لسكان القطاع المحاصر.

