يواجه أهالي قطاع غزة كارثة إنسانية حقيقية، بفعل سياسة التجويع التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، من خلال منع إدخال الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، في وقت يتواصل القصف والدمار، ما يفاقم المأساة الصحية والاجتماعية.
ويرتقي استمرار منع إدخال المواد الغذائية الأساسية، خاصة حليب الأطفال والطحين والمياه الصالحة للشرب إلى جريمة حرب، وفق خبراء قانونيين.
ورغم استمرار سياسة التجويع لا تمارس الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وغيرهم من المنظمات الدولية، ضغوطاً حقيقية على سلطات الاحتلال من أجل فتح المعابر دون شروط.
مستويات كارثية
ويؤكد د. رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أن تلكؤ المنظومة الدولية في اتخاذ قرارات حاسمة تجاه المجازر التي ترتكبها سلطات الاحتلال في غزة يجعلها شريكة مباشرة في تلك الجرائم، ويوفر في الوقت ذاته، ضوءًا أخضر للاحتلال للمضي قدمًا في تصعيد جريمة الإبادة الجماعية.
وقال عبده لـ "فلسطين أون لاين"، هذا الصمت الدولي يعكس تجاهلًا صادمًا لحياة الفلسطينيين وكرامتهم، ويفقد المؤسسات الدولية الحد الأدنى من مصداقيتها، مشيرًا إلى أن استمرار هذا النهج يعني التخلي الكامل عن المبادئ التي أسست عليها منظومة القانون الدولي والعدالة الإنسانية.
وأضاف أن المرصد الأورومتوسطي يرى أن المنظومة الدولية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، ومحكمة العدل الدولية، والاتحاد الأوروبي، ومؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، أظهرت فشلًا ذريعًا ومشينًا خلال 13 شهرًا من الحرب على غزة، ولم تلتزم بدورها المفترض في حماية المدنيين ووقف جريمة الإبادة الجماعية.
وشدد عبده على أن هذا الفشل ينسف مبررات وجود هذه المؤسسات القانونية والإنسانية، ويضعها أمام مسؤوليات أخلاقية وتاريخية جسيمة يجب أن تتحملها فورًا.
وأوضح أن الوقت قد حان كي تتحرك المحكمة الجنائية الدولية من دائرة الصمت إلى الفعل الحقيقي، من خلال إصدار أوامر قبض وملاحقة للمسؤولين عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة، مشدداً على أن هذه الانتهاكات تقع ضمن اختصاص المحكمة وتستوجب المساءلة والمحاسبة العاجلة.
واعتبر أن التحرك الجاد من المحكمة الجنائية قد يسهم في توفير الحد الأدنى من الحماية للمدنيين الفلسطينيين، الذين يواجهون مخطط الإهلاك الإسرائيلي الشامل، والذي يتواصل دون رادع.
مطلوب قرار دولي
بدورها، أكدت رنا هديب، مديرة الدائرة القانونية في الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، أن الأوضاع الإنسانية في غزة وصلت إلى مستويات كارثية وغير مسبوقة، محذرة من استمرار الإبادة الجماعية، والمجاعة القاتلة، والعطش، وانتشار الأوبئة، في ظل تواصل الجرائم بحق المدنيين، بما في ذلك القتل الجماعي، والاستهداف المباشر، والتهجير القسري.
وقالت هديب لـ"فلسطين أون لاين"، إن المدنيين في غزة يجبرون على العيش في ظروف لا إنسانية، محرومين من أبسط مقومات الحياة، من غذاء وماء ودواء، وسط انهيار شامل للمنظومة الصحية والبيئية والخدمية، بفعل استمرار إغلاق المعابر وعرقلة إدخال المساعدات الإنسانية.
وأوضحت أن أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في غزة يتعرضون لحرب إبادة جماعية ممنهجة، تستند إلى سياسات الحصار، والتجويع، والقتل الجماعي، والتدمير، والنزوح القسري، حيث لم يتبقّ للسكان سوى أقل من 12% من مساحة القطاع بعد تصنيف 88% من أراضيه كمناطق إخلاء أو مناطق مغلقة يمنع دخولها.
وبينت أن ما يحدث في غزة يمثل "سيناريو مجاعة هو الأسوأ في التاريخ الإنساني الحديث، مشيرة إلى أن أكثر من 20,000 طفل دخلوا في برامج علاج سوء التغذية الحاد، بينهم 3,000 طفل في حالات حرجة جداً، تترافق مع انهيار صحي وانتشار واسع للأمراض. كما لفت البيان إلى تدمير نحو 90% من البنية التحتية المدنية، بما يشمل المنازل والأراضي الزراعية والممتلكات الاقتصادية، إلى جانب خروج 32 مستشفى من أصل 36 عن الخدمة، في حين تعمل القلة المتبقية بقدرات منخفضة للغاية، بسبب نفاد الوقود، ونقص الكوادر، والأدوية.
وذكرت أن المطلوب من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، والدول الأطراف المتعاقدة على اتفاقيات جنيف، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وكل أحرار العالم، التحرك العاجل والفوري لوقف حرب الإبادة والتجويع، ورفع الحصار الجائر عن قطاع غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية والطبية دون أي قيود.
وشددت على أن الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلوب منها إصدار قرار دولي تحت الفصل السابع من خلال آلية "متحدون من أجل السلام"، بهدف إجبار الاحتلال على وقف العدوان ورفع الحصار، وإرسال بعثة حماية دولية لضمان أمن المدنيين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، وتأمين متطلبات البقاء الأساسية.

