في ظل استمرار الحصار الإسرائيلي الخانق على قطاع غزة، تتوالى الشهادات والتقارير التي توثق تفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية، خصوصًا بين الأطفال. من بين هذه الحالات المؤلمة، تبرز قصة الطفل الفلسطيني أسامة الرقب، الذي أصبح رمزًا لمعاناة آلاف الأطفال المحاصرين، وسط حملة تشكيك إسرائيلية حاولت الترويج بأن حالته لا ترتبط بالحرب، بل بمرض وراثي مزعوم.
في 28 يوليو/تموز، نشر الناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، صورة الطفل أسامة، متهمًا وسائل الإعلام بـ"استغلالها" لاتهام إسرائيل بالتجويع، وزاعمًا أن الطفل يعاني من "مرض جيني" خطير وليس من سوء التغذية، وأن نقله لتلقي العلاج في إيطاليا تم بالتنسيق مع إسرائيل.

وزعمت منشورات متطابقة على الحسابات الرسمية لـ"إسرائيل" ووزارة خارجيتها أن الصورة تمثل "فرية دم حديثة" تهدف لتشويه صورة تل أبيب، متهمة الإعلام بتجاهل الحقيقة عمداً.

فحوصات طبية من إيطاليا تدحض الادعاء
لكن تقريرًا طبيًا صادرًا عن مستشفى جامعة فيرونا الإيطالية، حصلت عليه منصة منصة "مسبار" للتحقق، فنّد بشكل قاطع هذه المزاعم، حيث أظهر أن نتيجة فحص العرق للطفل أسامة كانت 13 mmol/L، وهي نسبة طبيعية تمامًا تستبعد إصابته بمرض التليف الكيسي.
الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال بمجمع ناصر الطبي في غزة، أكد لـ"مسبار" أن أسامة لم يكن يعاني من مرض وراثي، بل من نقص حاد في البروتينات وسوء تغذية شديد نتيجة الحصار ونقص الغذاء. وأضاف أن الطفل كان بصحة جيدة حتى مارس الماضي، حين بدأ وزنه ينخفض بشكل خطير، من 16 إلى 9 كيلوغرامات، بسبب الجوع.
وتُظهر صور حصلت عليها المنصة كيف تحسّنت صحة أسامة بشكل ملحوظ بعد وصوله إلى إيطاليا وتلقيه الرعاية الغذائية والطبية، ما يؤكد أن سبب معاناته كان التجويع الممنهج لا أي خلل وراثي.

والدة الطفل: الحصار أدخل ابني في موت بطيء
في فيديو نشرته وزارة الصحة الفلسطينية، ناشدت منى الرقب، والدة الطفل، المنظمات الدولية التدخل لإنقاذ ابنها من الموت، مؤكدة أن حالته تمثل آلاف الأطفال الذين حرمهم الحصار من الغذاء والعلاج. وأوضحت أن أسامة كان بصحة جيدة قبل الحرب، وأنه تدهور بشكل سريع بفعل الجوع ونقص الغذاء.
مدير عام وزارة الصحة في غزة، الدكتور منير البرش، صرح أن أسامة ليس حالة فردية، بل "نموذج حي" لمأساة إنسانية أوسع تطال الأطفال في القطاع، نتيجة تجويع ممنهج تمارسه إسرائيل عبر منع دخول الغذاء والمساعدات.
وأكد البرش أن تحسّن حالة الطفل في إيطاليا بعد شهر ونصف من العلاج يؤكد أن السبب كان الجوع، مشددًا على ضرورة فتح المعابر والسماح بوصول المساعدات.
الطفل أسامة الرقب: نموذج حي لمعاناة الأطفال من التجويع في غزة المحاصرة
سلطت وسائل إعلام محلية ودولية الضوء على حالة الطفل أسامة الرقب، باعتبارها مثالًا حيًا على تدهور الأوضاع الإنسانية في غزة، خاصة مع تفاقم أزمة الغذاء الناتجة عن الحصار. وتناولت التقارير ظروفه الصحية الصعبة، إلى جانب حالات مشابهة لأطفال يعانون من سوء تغذية حاد في القطاع.
بحسب تقرير نشرته مؤسسة HuffPost España بتاريخ 21 إبريل الفائت، فإن الطفل أسامة، البالغ من العمر خمس سنوات، يعاني من سوء تغذية حاد نتيجة الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ أكثر من 50 يومًا، والذي يقيّد دخول الغذاء والمساعدات الطبية. وأشار التقرير إلى أن وزنه انخفض بشكل حاد، وأصبح جسده هشًا لدرجة تعيق حركته وتمنعه من ممارسة أنشطة بسيطة مثل اللعب أو ركوب الدراجة.
حملات إسرائيلية للتشكيك في معاناة الأطفال الفلسطينيين خلال الحرب
بالمقابل، منذ الأيام الأولى للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، لم تقتصر الانتهاكات على القصف والتجويع، بل رافقتها حملة دعائية ممنهجة هدفت إلى تشويه الحقائق، لا سيما من خلال التشكيك المستمر في صور ومقاطع توثق معاناة الأطفال الفلسطينيين، وتفنيد التقارير التي تحذر من تفشي الجوع وسوء التغذية.
في 28 مايو الفائت، تداولت حسابات على مواقع التواصل صورة للطفلة رهف عياد، التي تعاني من مرض نادر وسوء تغذية حاد، مدّعية أنها صورة قديمة تعود لعام 2018. إلا أن تحقيقًا أجراه موقع مسبار أثبت أن الصورة حديثة والتُقطت في مايو، كما وثقها مصور فلسطيني ووكالة الأناضول، وتأكدت مغادرة رهف غزة لاحقًا لتلقي العلاج في الإمارات.
وفي 12 مايو، طالت حملة مشابهة صورة الطفلة دانا الحاج، حيث زعمت حسابات إسرائيلية أن الصور قديمة، مستندة كذلك إلى أدوات بحث عكسي. لكن مسبار فنّد هذه المزاعم، وأكد أن الصور حديثة، كما بين المصور الصحفي أسامة الكحلوت، الذي وثق حالة الطفلة في دير البلح، أنها تعاني من سوء تغذية حاد، وأن والدتها ظهرت في الفيديو وهي تطلق نداء استغاثة لإنقاذ ابنتها.

