فلسطين أون لاين

"صفعةٌ في التوقيت والمكان"

قراءة عسكريَّة: المقاومون حوَّلوا الأرضَ إلى مصيدة وكمين بيت حانون درسٌ عملياتي صارخ لجنود الاحتلال

...
قراءة عسكريَّة: المقاومون حوَّلوا الأرضَ إلى مصيدة وكمين بيت حانون درسٌ عملياتي صارخ لجنود الاحتلال

في اعترافٍ جديد صدر عن دورون كدوش مراسل إذاعة جيش الاحتلال، تتكشف أبعاد إضافية لواحد من أخطر الكمائن التي واجهتها القوات الإسرائيلية خلال العدوان على غزة، والذي أدى إلى مقتل 5 جنود من كتيبة "نتسح يهودا" شمال بيت حانون.

وأعلن جيش الاحتلال "الإسرائيلي"، فجر اليوم الثلاثاء، مقتل جنود وإصابة آخرين في كمين للمقاومة بقطاع غزة وصفته وسائل الإعلام العبري بـ"الصعب" خلال الليلة الماضية. وقال جيش الاحتلال، إنَّ 5 جنود قتلوا فيما أُصيب 14 آخرين في كمين للمقاومة.

 وفي تفاصيل الكمين، ذكرت إذاعة الجيش أنَّ الحدث وقع في إطار عملية ينفذها الجيش في بيت حانون شمال القطاع، البلدة الغزية المقابلة لمدينة سديروت، والتي تم السيطرة عليها مرارًا وتكرارًا خلال الحرب.

وأضافت، أنّ "الحدث بدأ بعد الساعة 22:00 مساء أمس، حين كانت قوة راجلة من كتيبة “نتسح يهودا” تعبر المنطقة".

وتابعت، "انفجرت عبوتان ناسفتان وضعتا على الطريق، واحدة تلو الأخرى، مستهدفتين القوة الراجلة من نتسح يهودا، رغم أن الجيش يشير إلى أن هذه المنطقة تعرضت في الأسابيع الأخيرة لهجمات جوية مكثفة ضمن عمليات “تهيئة” قبل الهجوم البري، ومع ذلك، فإن العبوتين اللتين زرعتا هناك انفجرتا بدقة لحظة مرور القوة".

وأشارت إلى أنه أثناء إجلاء المصابين من موقع الانفجار، أطلق مسلحون النار من كمين نحو قوات الإنقاذ، ما أسفر عن سقوط مزيد من الضحايا، أصبح الإجلاء معقدًا وطويلاً، وتم استدعاء قوات إنقاذ إضافية.

وأكدت الإذاعة أنَّ كمائن إطلاق النار بعد تفجير العبوات أصبحت سمة متكررة في الأسابيع الأخيرة، حيث قام مسلحو حماس بنفس النمط في حوادث سابقة، منها الحادث الذي وقع في خانيونس والذي أسفر عن مقتل 7 جنود. وظهرت مروحيات الاحتلال في مكان الهجوم لإجلاء المصابين وسط إطلاق نار كثيف.

وفي تحليل للكمين الذي نفَّذته المقاومة، قال المحلل السياسي رامي أبو زبيدة إنَّه وفقًا لاعترافات القيادات العسكرية الإسرائيلية، أصبحت العبوات الناسفة على اختلاف أنواعها التهديد القاتل الأول للقوات البرية داخل غزة.

واستدلَّ أبو زبيدة بتقارير جيش الاحتلال، حيثُ قُتل 27 جنديًا من أصل 38 بسبب العبوات، منذ استئناف القتال في مارس.

وأضاف، أنَّ المقاومين استخدموا العبوات الناسفة في محورين رئيسيين، إمَّا كمائن على الطرق وقد أوقعت 19 قتيلاً، أو تفخيخ المباني وقد أوقعت 6 قتلى.

وأكد المحلل السياسي، أنَّ هذا الرقم يُبرز التفوق الهندسي والتخطيط العبقري لوحدات المقاومة، حيث تم تحويل الأرض، الأبنية، والأنفاق إلى ميدان ناري معقد يحصد أرواح الجنود بدقة، ويُعطل فعالية الآلة العسكرية المتقدمة.

وأشار إلى أنَّ الجيش يعترف بارتفاع وتيرة الجرأة الميدانية لمقاتلي المقاومة، الذين أصبحوا يخرجون من الأنفاق ومن بين الركام، يُنفذون الكمين، ولا ينسحبون، بل يبقون في أرض الاشتباك لمواجهة قوة الإنقاذ والإسناد.

وأوضح، أنَّ بعض المقاتلين يواصلون الاشتباك حتى بعد العملية، في نمط استنزاف مركّب هدفه رفع حجم الخسائر، وتصوير العملية من زوايا متعددة، لإنتاج مشاهد دعائية مؤثرة.

وفي تعليق ميداني على الكمين النوعي، أكد أبو زبيدة أنَّ هذه الجرأة لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج ثقة بالنفس، وانضباط ميداني، وتكتيك ناري متقدم يُسقط فكرة "الكمين الخاطف" ويستبدلها بـ اشتباك إرادي طويل النفس، تُهيمن فيه المقاومة على زمام المعركة بالكامل.

وتابع، "رغم سيطرة الاحتلال على بيت حانون مرارًا، إلا أنها تتحول بعد كل انسحاب إلى بؤرة مقاومة نشطة من جديد"، موضحًا أنَّ التقارير تشير إلى أن المسلحين يعودون في كل مرة، ويستخدمون شبكة أنفاق تحت الأرض لتعزيز المنطقة وإدامة الاشتباك.

وشدد أبو زبيدة على أنَّ بيت حانون اليوم ليست مجرد "بلدة حدودية"، بل أصبحت نموذجًا عسكريًا فريدًا لمنطقة ترفض الاحتلال ميدانيًا، وتُعيد تدوير المواجهة بعد كل انسحاب. إنها بمثابة "الثقب الأسود" الذي يبتلع الجنود والمجنزرات، ثم يُعيد ترتيب ساحة القتال وفق تكتيك المقاومة.

ولخَّص قوَّة الكمين بقوله، إنه يختصر في مشهده قوة العبوة، وشجاعة المقاتل، وإبداع الكمين، ووذكاء استخدام الأرض والأنفاق.

ووصف أبو زبيدة الحدث بالقول، إنه درس عملياتي صارخ للجيش الإسرائيلي، أن تسيطر فوق الأرض لا يعني أنك تملكها، فالميدان في غزة لا يُحكم من الجو ولا يُخضع بالدبابات… بل تُحكمه العقول المفخخة والقلوب الثابتة.

 بيت حانون: صفعة في التوقيت والمكان

ومن جهته، قال المحلل السياسي، إياد القرا، إنَّ الهجوم النوعي في بيت حانون يأتي في لحظة حرجة سياسيًا وعسكريًا، ويحمل دلالات عميقة على أكثر من صعيد، أولها أنه يمثل صفعةً في وجه واشنطن، حيث يتزامن الحدث مع وجود نتنياهو في العاصمة الأمريكية، في زيارة مفصلية تتعلق بمستقبل الحرب وصفقة التبادل، لتأتي الضربة من غزة وتحرجه أمام حلفائه وعلى رأسهم إدارة ترامب، وتؤكد أن المقاومة ما زالت تملك أوراق القوة.

وثانيها، استمرارية الفعل المقاوم، الهجوم جاء بعد أيام من عملية مركبة في خانيونس، ليؤكد أن المقاومة ما زالت قادرة على التخطيط والتنفيذ من النقطة صفر، رغم مرور 641 يومًا على الحرب، وفقًا للمحلل القرا.

وأمَّا الدلالة الثالثة فإن الكمين ردٌّ واضح ليفضح الرواية الإسرائيلية، عقب ادّعاء الاحتلال أنه “مسح” بيت حانون عن الخارطة، لكن العملية من قلبها أثبتت زيف هذا الادعاء، وكشفت عن عجز استخباراتي وميداني كبير.

وأضاف القرا، أن "الدلالة الرابعة تتمثل في إظهار الصراع داخل القيادة الصهيونية.. تأتي العملية في ظل شرخ متصاعد بين رئيس الأركان ونتنياهو والكابينت، ما يزيد الضغط على المؤسسة السياسية، ويبرز تآكل الثقة بين الجانبين".

وأكد، أن الكمين يُظهر الرسالةَ الخامسة المتمثِّلة في فشل “عربات جدعون”، بعد كشفه هشاشة هذه المنظومة المتطورة، التي عجزت عن رصد التحركات أو منع تنفيذ الهجوم، ما يمثل انتكاسة أمنية جديدة.

وتابع، "الكمين أيضًا ضربة لمشروع المنطقة العازلة، فقبل ساعات فقط، تحدث وزير الحرب “كاتس” عن إقامة منطقة عازلة شمال غزة، لكن عملية بيت حانون نسفت هذا الطرح، وأكدت أن اليد الطولى ما زالت للمقاومة".

وشدد القرا على أنَّ حدث خانيونس أظهر مفاضلة صعبة: الأسرى مقابل القتلى، في الوقت الذي يستعد فيه الاحتلال للإفراج عن 8 أسرى ضمن الصفقة، يخسر 6 جنود في ضربة واحدة. هذه الكلفة البشرية ستكون لها ارتدادات قاسية في الجبهة الداخلية الصهيونية.

ويرى المحلل السياسي أنَّ عملية بيت حانون ليست حدثًا عابرًا، بل هي رسالة استراتيجية قاسية تؤكد فشل سياسة الحسم العسكري، وتعكس قدرة المقاومة على إدارة معركة استنزاف ذكية، تربك الاحتلال في التوقيت والميدان والتفاوض.

ومنذ استئناف جيش الاحتلال حرب الإبادة في 18 مارس/ آذار الماضي، نجحت المقاومة في تنفيذ عدة كمائن قوية ضد قوات جيش الاحتلال المتوغلة في قطاع غزة، أدت إلى مقتل وإصابة العديد من الجنود.

المصدر / فلسطين أون لاين