تفقد كمائن كتائب القسام الأخيرة التي تنفذ ضمن ما اسمته كمائن "حجارة داود" قوات جيش الاحتلال ميزة المبادرة وتحول الجنود لأهداف متحركة داخل "ميدان خداع" دائم أقامه القسام، ويكشف وفق مراقبين، هشاشة مفهوم السيطرة الميدانية التي يحاول الاحتلال الترويج لها بشكل دائم حول قدرته على السيطرة والتمركز بأماكن كثيرة.
وفجر مقاومو القسام أول أمس نفقا في قوة إسرائيلية راجلة من ستة جنود وأقعوهم وفي بيان للقسام، بين قتلى وجرحى في منطقة "مرتجى" جنوب شرق خان يونس.
وفي أحد أكبر خسائر لجيش الاحتلال، وقعت قوة من نخبة جنود الاحتلال مكونة من 12 جنديا وضابطا، بكمين للقسام بعد انهيار مبنى مفخخ في خان يونس، وتحدثت وسائل إعلام عبرية عن مقتل خمسة من جنوده وإصابة اثنين بجروح خطيرة وحروق شديدة في جميع أنحاد أجسامهم.
ويظهر ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن والدة الجندي الإسرائيلي "توم روتشتين" الذي قتل في الكمين حجم تأثير الانفجار، فقالت: إن "الجيش تعرف على ابنها بواسطة الحمض النووي، مؤكدة، أن جثة ابنها تلاشت وكذلك القوة التي كانت معه، وأنه تبخر من العالم ولم تحظ حتى بالحصول على جثته".
كمائن مركبة
كما أعلن القسام الخميس الماضي، أن مقاوميه نفذوا كمينا مركبا في منطقة الخط الشرقي في محيط موقع المبحوح شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وذلك يوم الأحد الموافق 2 يونيو/ حزيران الجاري، حيث قام المقاومون بتدمير ناقلة جند من نوع "نمر" بقذيفة "الياسين" 105، وعبوة الشواظ، وإيقاع طاقمهما بين قتيل وجريح.
وأضاف القسام في البيان: "بعد تدخل قوة النجدة وانسحابها فجر المقاومون عبوة شديدة الانفجار في جيب همر وأوقعوا من بداخله بين قتيل وجريح ومن ثم الاشتباك مع من تبقى من أفراد قوة النجدة بالأسلحة الخفيفة، وفور هبوط طائرة مروحية من نوع "يسعور" للإخلاء تم استهدافها بالأسلحة الرشاشة وأجبروها على الانسحاب".
وقال الناطق باسم القسام "أبو عبيدة" تعليقا على الكمائن: لا يزال مجاهدونا ورثة الأنبياء يقذفون بحجارة داود على عربات جدعون، فتدمغ جبروت الاحتلال فإذا هو زاهق، ليسطروا ببطولاتهم انتصار الفئة المؤمنة المستضعفة على الفئة الظالمة المتغطرسة"، مؤكدا، أن ما تكبده الاحتلال من خسائر بخان يونس وجباليا هو امتداد للسلة العمليات النوعية، ونموذج لما ستجابه به قوات الاحتلال في كل مكان تتواجد فيه.
وقبل "حجارة داود" فتحت كتائب القسام "أبواب الجحيم" على قوات جيش الاحتلال وآلياته في محافظة رفح جنوب بقطاع غزة وفي بلدة بيت حانون شمال القطاع.
ونشرت القسام في 7 مايو/ أيار الماضي مقطعًا مرئيًا أعلن فيه عن سلسلة عمليات "أبو اب الجحيم" برفح يوثق كمينًا نفذه مقاومها في 3 مايو/ آيار الجاري، بالقرب من مستشفى أبو يوسف النجار بحي الجنينة شرقي المحافظة، فجرت خلاله عين نفق واستهدفت دبابة ميركفاة 4، جاءت لإجلاء القتلى ضمن قوات النجدة بقذيفة ياسين "105"، وكذلك جرافة عسكرية من نوع D9 بنفس النوع من القذيفة.
لم يمر يوم على الكمين السابق، حتى بدأت وسائل الإعلام العبرية تتحدث عن حدث أمني صعب جنوب القطاع وقع في 8 مايو/ أيار الماضي، وشوهد الطيران المروحي وهو يجلي المصابين والقتلى في كمين جديد للقسام بحي الجنينة شرق رفح، استهدفت خلاله قوة هندسية إسرائيلية قوامها 12 جنديًا كانت تتجهز للقيام بعملية نسف داخل أحد المنازل بقذيفتين مضادتين للأفراد والدروع مما أدى لانفجار كبير.
عمليات نوعية
بدوره، أكد الخبير بالشأن العسكري د. رامي أبو زبيدة، أن كمائن المقاومة الأخيرة تؤشر أنها في مرحلة العمليات النوعية من حيث التخطيط الدقيق والتوظيف الهندسي للأرض، وما حدث بخان يونس وجباليا لم يكن مجرد تفجير عبوات، بل اصطياد منهجي لقوات راجلة في بيئة معقدة، وبها مزيج من التمويه الذكي والتفخيخ المدروس والاستدراج المحكم لقوات الاحتلال المبني على دراسة مبنية للواقع وقائمة على معلومات استخبارية دقيقة.
ورأى أبو زبيدة في حديثه لصحيفة "فلسطين" أن هذا الزخم بالعمليات يضرب ثقة الاحتلال في نجاعة الانتشار والجاهزية ويزرع الشك في قدرات الاحتلال الاستخبارية، وأنه قادر على التموضع والسيطرة، والقدرة على القضاء على المقاومة، لافتا، إلى أن التأثير كان واضحا بالخسائر البشرية لجيش الاحتلال بسقوط عدد كبير من القتلى في قوات الكوماندوز ولواء جفعاتي واللواء "98".
وقال: إن "امتداد العمليات هزت الثقة بين القيادية الميدانية لجيش الاحتلال والمستوى السياسي، في وقت يبرز فيه الحديث عن ضعف الاستعدادات بالقوات البرية، فضلا عن وجود أعطال في الدبابات والأسلحة والمعدات كما تحدث ضباط كبار لوسائل إعلام عبرية".
عن دلالة الندية في إطلاق القسام اسم "حجارة داود" على معركة المواجهة لعملية الاحتلال العسكرية التي سماها الاحتلال "عربات جدعون"، رأى، أن استخدام التسمية ليس اختيارا لفظيا بل حرب مفاهيم عميقة، وأضاف: "في الوعي الديني الإسلامي داود هو الفتى الضعيف الذي هزم جالوت العملاق بالحجارة والمقلاع، وهي رسالة من المقاومة أن ضعف العتاد يقابله تفوق بالإرادة والتصميم والتكتيك".
وتابع: "تسمية "عربات جدعون" هو استدعاء إسرائيلي لسردية دينية تعكس القوة والتفوق، لكن حين تتحطم العربات في كمائن الحجارة، تكون الرسالة واضحة أنه لا قداسة لآلة القتل، وأن الميدان لم يعد حكرا على من يمتلك التكنولوجيا المتفوقة، بل أصبح ساحة يتفوق فيها من يمتلك العقيدة والابتكار والأرض".
ويعتقد أن الكمائن النوعية تعد مؤشرًا على تحول في ميزان التكتيك القتالي داخل الميدان، ودليل على احتفاظ الكتائب بقدرات هندسية ولوجستية وعملياتية رغم كل القصف والعدوان، وقائمة على متابعة دقيقة لتحرك القوات الإسرائيلية، وتوظيف التحرك بالتوقيت والمكان المناسب الذي يخدم المقاومة، فكمائن خان يونس وجباليا لا تتم دون معرفة نمط تحرك قوات جيش الاحتلال.
ولفت أن هذه الأمر دليل على وجود بنية تنظيمية لإدارة عمليات التفخيخ والتفجير والاستطلاع والانسحاب والإسناد الناري، مؤكدا، أن كمائن المقاومة تكشف هشاشة مفهوم السيطرة الميدانية التي يحاول الاحتلال الترويج لها بشكل دائم حول قدرته على السيطرة والتمركز بأماكن كثيرة.

