كشفت صحيفة "هآرتس" عن قيام الجيش الإسرائيليّ بتجنيد جنود يعانون من اضطرابات نفسية، بل ومن المصنّفين رسميًا كمعاقين نفسيًا، ضمن صفوف قوات الاحتياط، في ظل نقص حاد في القوى البشرية، وتزايد حالات الانتحار في صفوف الجنود، والتي وصلت إلى 35 حالة منذ بدء الحرب، ما يعكس الانهيار المتزايد في الجبهة الداخلية العسكرية والعبء النفسي الثقيل الذي تخلّفه العمليات القتالية على الجنود، بعد أكثر من 19 شهرًا من الحرب على قطاع غزة.
وتعليقًا على ذلك، يقول الدكتور مهند مصطفى، المحاضر في العلوم السياسية والتاريخ، وباحث في مركز مدى الكرمل للدراسات الاجتماعية بحيفا، إن توجه الجيش الإسرائيلي إلى استدعاء جنود يعانون من اضطرابات نفسية للمشاركة في العمليات العسكرية داخل قطاع غزة، يكشف عن "أزمة مركبة يعيشها الجيش، تتجاوز البُعد الميداني لتصل إلى العمق النفسي والتنظيمي داخل المؤسسة العسكرية".
وأوضح مصطفى، في مقال له نشر اليوم الإثنين، أن هذه الخطوة جاءت في ظل ما وصفه بـ"النقص الحاد في العنصر البشري داخل وحدات القتال"، خاصة مع تراجع الالتزام في صفوف جنود الاحتياط، وازدياد الضغوط على الجنود النظاميين.
وأضاف أن "الجيش الإسرائيلي بات مجبرًا على اتخاذ قرارات غير تقليدية، كتشديد شروط الإعفاء النفسي ومحاولة إعادة جنود سبق أن تم تصنيفهم على أنهم غير صالحين نفسيًا للخدمة، وهو أمر غير مسبوق ويشير إلى ضائقة حقيقية".
وأشار مصطفى إلى أن ظاهرة اضطراب ما بعد الصدمة في صفوف الجيش ليست جديدة، وقد بدأ التعامل معها بشكل رسمي بعد حرب أكتوبر عام 1973، لكنه أكد أن ما يجري حاليًا "يتجاوز العلاج إلى مستوى التجنيد القسري غير المباشر، في بيئة قتال مرهقة ومعقدة مثل غزة".
وأضاف أن "نحو 16.5% من الجنود الإسرائيليين تسرّبوا من الخدمة الإلزامية خلال عام 2023، نصفهم لأسباب نفسية بحسب معطيات الجيش، وهو ما يوضح حجم الأزمة البنيوية التي يعانيها الجيش على مستوى الكادر البشري".
وأكد مصطفى أن تصاعد هذه الظواهر في صفوف الجيش يعكس أزمة شرعية داخلية أيضًا، موضحًا أن "الانقسام السياسي الحاد، وامتناع قطاعات كاملة مثل الحريديم عن الخدمة العسكرية، يقوّض من تماسك الجبهة الداخلية، ويعزز الشعور بعدم العدالة لدى الجنود النظاميين الذين يُطلب منهم دفع الثمن الأكبر".
وختم الدكتور مصطفى بالقول إن "اللجوء إلى جنود مصابين نفسيًا للخدمة مجددًا في جبهات القتال، حتى وإن تم التراجع عنه لاحقًا بفعل الضغط المجتمعي، يكشف عمق المأزق الذي تمر به المؤسسة العسكرية، ليس فقط من حيث الجاهزية القتالية، وإنما في القدرة على الاستمرار في حرب لم تعد تجد لها شرعية داخلية كافية".
وتحاصر إسرائيل غزة منذ 18 عاما، وبات نحو 1.5 مليون فلسطيني من أصل حوالي 2.4 مليون بالقطاع، بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، ويعاني القطاع مجاعة قاسية؛ جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.
ومطلع مارس/ آذار الماضي، انتهت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى بين حماس وإسرائيل بدأ سريانه في 19 يناير/ كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية قطرية ودعم أمريكي، والتزمت به الحركة الفلسطينية.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، تنصل من بدء مرحلته الثانية واستأنف الإبادة الجماعية بغزة في 18 مارس/ آذار الماضي، استجابة للجناح الأشد تطرفا في حكومته اليمينية، لتحقيق مصالحه السياسية، وفق إعلام عبري.
وبدعم أمريكي مطلق ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 جرائم إبادة جماعية في غزة خلّفت نحو 174 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.

