فلسطين أون لاين

​أدوات السيطرة الإسرائيلية تفشل في تطويع فلسطينيي الداخل

...
الخليل / غزة - رنا الشرافي

لم يكتفِ الاحتلال الإسرائيلي بفرض سيطرته وسطوته على الأراضي الفلسطينية فقط، بل عمد إلى السيطرة على المكونات الاجتماعية والثقافة والاقتصادية، بالإضافة إلى حصار الروح القومية العربية لدى الفلسطينيين الذين بقوا في أراضيهم رغم مجازر النكبة.

فعمدت سلطات الاحتلال إلى تطبيق جملة من السياسات التي سعت من خلالها إلى تطويع المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، وقد نجحت في بعض ممارساتها مثل التجزئة والتفتيت والتبعية، ولكنها فشلت أيضا بسياسات أخرى ولعل حظر الحركة الإسلامية كان أحد أسباب "محاربتها" لهذا الفشل، وفق مراقبين.

وأوضح الخبير في التاريخ والتراث، الدكتور ناصر اليافاوي، كيف تشكل المجتمع الفلسطيني في الداخل المحتل، مبينا أن العدد القليل الذي بقي في أرضه بعد ممارسة العصابات الصهيونية لسياسات التطهير العرقي، شكل بالنسبة للاحتلال تهديداً ديمغرافيا وقومياً.

ورأى اليافاوي، في حديثه لصحيفة "فلسطين" بأن سلطات الاحتلال تنبهت منذ البداية لهذا الخطر الديمغرافي لا سيما مع الزيادة الطبيعية للمجتمع الفلسطيني خاصة في المثلث والجليل ويافا وقرى النقب، فعمدت إلى السيطرة عليهم من خلال تهجيرهم داخلياً أو خارجياً، ومصادرة ممتلكاتهم تحت بند "أملاك الغائبين"، بالإضافة إلى اتباع سياسة الترهيب إما بالقتل أو من خلال فرض أحكام وقوانين عنصرية عليهم.

وأشار إلى فرض سلطات الاحتلال للحكم العسكري على المناطق العربية الفلسطينية، والتي بموجبها خضع الفلسطيني لأقسى أنواع التعذيب والقهر والحصار ومنع التنقلات ومنع الخروج من المنازل وغيرها من الإجراءات القمعية.

وقال: "بالرغم من السماح لهم بالعمل في أعمال الحياة اليومية مثل الفنادق والزراعة وغيرها إلا أن سلطات الاحتلال بقيت تتعامل معهم كأقلية وكمواطنين أقل درجة من المستوطن اليهودي، وفرضت عليهم نظاماً تعليميا يتبنى الرؤيا الصهيونية".

ولفت اليافاوي إلى اتباع سلطات الاحتلال أيضاً نظام التبعية الفكرية والثقافية الذي فرضته على الفلسطينيين كإجبارهم على رفع العلم الإسرائيلي في المدارس وجعلت فرق الكشافة منهم تحمل "نجمة داود".

وتحدث كذلك عن قيام سلطات الاحتلال بغرس شعور التغريب داخل المجتمع الفلسطيني، خاصة ضد البدو في النقب، والسماح للعقول بالهجرة إلى الخارج ومن ثم منعها من العودة.

وتابع: "صنع الاحتلال قيادات موالية للفكر الاستعماري الإحلالي الصهيوني، وعمد أيضا إلى تقسيم المجتمع الفلسطيني (درزي، شركس، مسيحي، سني وغيرها) قبل أن يخرط بعضهم في جيش الاحتلال، دون أن يقلدهم مناصب، ومنح لهم بامتيازات وفرض العقوبات بحق رافضي التجنيد".

وأكد الخبير الفلسطيني على الحضور القوي للحركة الإسلامية في الداخل المحتل والتي جابهت أدوات السيطرة الإسرائيلية التي حاولت طمس الهوية الفلسطينية لدى الفلسطينيين في الداخل المحتل سواء بالتغييب أو التجزئة أو التعيين أو حتى الاحتواء.

القضاء متورط

وفي سياق متصل، رأى المحلل السياسي المختص في الشؤون الإسرائيلية، فرحات علقم، أنه ومنذ نكبة عام 1948 عمدت سلطات الاحتلال إلى إخضاع المجتمع العربي الفلسطيني الذي بقي صامدا فوق أرضه رغم الترويع والترهيب والمجازر التي نفذتها "العصابات الصهيونية" بحقه.

وعدد علقم خلال حديثه لصحيفة "فلسطين" أدوات السيطرة التي مارستها سلطات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الداخل المحتل والتي تتمثل: بمصادرة الأراضي والتستر خلف قانون أملاك الغائبين الذي منحها الحق في مصادرة أملاك المهاجرين.

ومن هذه الأدوات أيضا – يقول علقم- قضاء الاحتلال الذي عمد إلى تطبيق الحكم العسكري على المجتمع العربي منذ النكبة وحتى عام 1966، والتي كانت تصادر أملاكهم وتصدر بحقهم أحكام جائرة باسم القضاء.

واعتبر أن أدوات السيطرة امتدت حتى بلغت المكونات الاجتماعية الفلسطينية، والوظائف العامة، والمساكن، والأملاك، وكذلك العادات والتقاليد التي شهدت تضييقا من قبل سلطات الاحتلال عليها.

وأشار إلى منع الاحتلال لهؤلاء الفلسطينيين من التمدد العمراني أو التوسع في مخططات المدن والقرى تلبية للزيادة الطبيعية في صفوفهم، وكذلك عدم اعترافها بعدد من القرى في النقب، ناهيك عن التضييق على أعضاء الكنيست العرب والذين لا يحظون بنفس الامتيازات التي يحظى بها الأعضاء اليهود.

ولم يغفل المحلل السياسي الدور الذي مارسته سلطات الاحتلال للسيطرة على المجتمع الفلسطيني من خلال السلك التعليمي الذي يتبنى الرواية اليهودية، وتقسيم المجتمع الفلسطيني.

واتفق مع اليافاوي على أهمية الدور الذي لعبته الحركة الإسلامية في مواجهة أدوات السيطرة الإسرائيلية وخلق أمل قومي عربي اسلامي جديد في نفوس الفلسطينيين في الداخل المحتل.

وأشار إلى أن فلسطينيي الداخل "هم من يذودون عن حياض الأقصى عندما يتعرض لمضايقات تقوم خلالها سلطات الاحتلال بمنع فلسطينيي الضفة وقطاع غزة من الوصول إليه"، وذلك يعبر عن الروح العربية الإسلامية والفلسطينية عند هذا المجتمع المناضل والذي شارك في جميع الهبات الشعبية بما فيها انتفاضة القدس"، حسب قوله.