فلسطين أون لاين

​في اختيار الخاطب

الدين والخُلق.. المعيار الأهم وليس الوحيد

...
غزة - هدى الدلو

الزواج سنة شرعها الله سبحانه لعباده من يوم آدم عليه السلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهو طريق الأنبياء والمرسلين، يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآَيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ"، وفي هذا الأمر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أربع من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح".

وحددت السنة النبوية معايير أساسية لاختيار شريك الحياة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"، ولكن هل يحق للفتاة طلب مواصفات أخرى، ووضع شروط للاختيار؟ وهل الدين والخلق يمثلان معيارًا وحيدًا في قبول الخاطب أو رفضه، أم أنهما معيار أساسي يمكن أن ترافقه معايير أخرى حسب رغبات الفتاة؟

ليعاملها بالدين

قال العضو الاستشاري في رابطة علماء فلسطين أحمد زمارة: "الزواج هو عقد ينجم عنه استحلال الفروج وبناء حياة جديدة وأبناء وذرية ومجتمع، ووضع النبي صلى الله عليه وسلم إرشادات ونصائح لتكون الحياة سعيدة، ويكون العقد مباركًا والزواج ميمونًا، ومن هذه النصائح والإرشادات ما يتعلق بالخاطب ومنها ما يتعلق بالمخطوبة، لكن الرابط بينهما الدين والخلق القويم".

وأضاف لـ"فلسطين" أنه بالنسبة للخاطب يجب أن يتوافر فيه الدين والخلق القويم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"، فهو أكثر الناس حرصًا على عروسه، يعاملها بالدين ويبني حياته على سنة سيد المرسلين ويراعي حقوق الزوجة ويحفظ عائلته ويصون عرضه.

وأشار زمارة إلى أنه في حق المخطوبة أيضًا أرشد صلى الله عليه وسلم الشباب إلى أن يختاروا صاحبة الدين، إذ قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها, ولجمالها, ولحسبها, ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك".

وبيّن أن الأصل إذا طرق باب أهل الفتاة ذلك الشاب الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم "مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ" أن يقبله أهل الفتاة استجابة لوصية النبي.

وذكر قول القاري رحمه الله: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ" أَيْ: طَلَبَ مِنْكُمْ أَنْ تُزَوِّجُوهُ امْرَأَةً مِنْ أَوْلَادِكُمْ وَأَقَارِبِكُمْ "مَنْ تَرْضَوْنَ" أَيْ: تَسْتَحْسِنُونَ "دِينَهُ" أَيْ: دِيَانَتُهُ "وَخُلُقَهُ" أَيْ: مُعَاشَرَتُهُ، "فَزَوِّجُوهُ" أَيْ: إِيَّاهَا "إِنْ لَا تَفْعَلُوهُ" أَيْ: لَا تُزَوِّجُوهُ "تَكُنْ" أَيْ: تَقَعُ "فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ" أَيْ: ذُو عَرْضٍ أَيْ كَثِيرٍ، لِأَنَّكُمْ إِنْ لَمْ تُزَوِّجُوهَا إِلَّا مِنْ ذِي مَالٍ أَوْ جَاهٍ، رُبَّمَا يَبْقَى أَكْثَرُ نِسَائِكُمْ بِلَا أَزْوَاجٍ، وَأَكْثَرُ رِجَالِكُمْ بِلَا نِسَاءٍ، فَيَكْثُرُ الِافْتِتَانُ بِالزِّنَا، وَرُبَّمَا يَلْحَقُ الْأَوْلِيَاءَ عَارٌ، فَتَهِيجُ الْفِتَنُ وَالْفَسَادُ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ قَطْعُ النَّسَبِ، وَقِلَّةُ الصَّلَاحِ وَالْعِفَّةِ".

قَالَ الطِّيبِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَالِكٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَا يُرَاعَى فِي الْكَفَاءَةِ إِلَّا الدِّينَ وَحْدَهُ"، وقال رجل للحسن: "قد خطب ابنتي جماعة فمن أُزَوِّجُهَا؟ قَالَ: مِمَّنْ يَتَّقِي اللَّهَ، فَإِنْ أَحَبَّهَا أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها".

وشروطٌ أخرى

وأوضح زمارة أن "صاحب الدين معروف أنه إذا كان دَيِّنا فإنه سيؤدي حقوق الله، وسيؤدي حقوق امرأته، ولا يخل بشيء من حقها، يقوم بما أوجب الله عليه من الحقوق من الجانبين؛ حق الله وحق عباده".

وقال: "من المعلوم أنه إذا كان ديِّنًا صلحت حاله وصلحت عباداته وصلحت معاملاته، وقام بما أوجب الله عليه، وأنفق مما أعطاه الله وأعطى زوجته حقها وأدى ما لها عليه؛ فكان بذلك أهلا أن يختار أو يزوج، أما إذا كان غير ديِّن؛ بأن كان فاسقًا أو فاجرًا أو تاركًا للعبادات فلا شك أن قلة دينه تجعله غير محسٍّ بما عنده أو بما عليه من الحقوق لله ولا امرأته؛ فتتضرر المرأة في صحبة مثل هذا الرجل، ويصيبها الألم الشديد والهم والغم".

وأضاف: "كذلك صاحب الدين يُقدَّم لأنه أولى الناس بأن يقوم بحق قول الله تعالى: (وعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، فالذي يشعره بهذه الأمانة يؤدي حقها كما ينبغي، وأما من لا أمانة له ولا ذمة له ولا معرفة، فمثل هذا لا يعرف حق هذه الأمانة؛ فيهمل أمانته ويسيء العمل فيها فيضرها ويضر نفسه وهو لا يشعر، وربما اعتقد أنه على صواب وعلى حق، وهو في الحقيقة على خطأ وباطل".

وأكد زمارة أنه وما ينتج عنه من مشاكل في طريق الزواج في الوقت الحالي، فلا حرج من وضع الفتاة شروطًا أخرى لتقبل بالخاطب، كأن تكون في بيت مستقل، أو أن يكافئها في بعض الجوانب، فمن شروط الزواج في الشريعة أن يتوافر فيه التكافؤ النسبي في الصفات كالتعليم، والمستوى المادي.