فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

...
JcF49.jpg
د. محمد المدهون

*إِلّا عابِري سَبيلٍ*    
     النساء 43

غزة، السجن الأكبر في العالم، ومعبر رفح شريانها الوحيد نحو الحياة، حيث كان متنفسًا للمريض والعابر والطالب والعامل، قبل أن يُحكم عليه بالإغلاق والخنق سنين طوال، ليصبح حلم الخروج منه معجزة بأمر القتلة المحتلين ومن يساندهم. وحين اشتد الحصار، حفر الغزيون أنفاق الأمل بأجسادهم ودمائهم حتى أُغلقت وأُغرقت، لتعود غزة في حصارها المطبق. واليوم، ومع اجتياح رفح واحتلال معبرها وتدميره، يُكشف للعالم عقيدة الإبادة الصهيونية التي تُهلك الحرث والنسل، بينما غزة تنزف بلا ماء ولا دواء ولا مخرج، ولا تجد إلا أن تردد: ﴿حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾.

معبر رفح أو قل "فرح"، شريان حياة غزة في محطات كثيرة بعد أن تحول إلى البوابة الوحيدة للسجن الأكبر في العالم الذي يربط غزة بالعالم الخارجي. فكم من مريض أو جريح كان معبرًا للتداوي، وكم من طالب علم نال الشهادات الجامعية والعليا حين كتب الله له الخروج منه، وكم من باحث عن رزق تيسرت أموره حال خرج من هذا السجن الأكبر في العالم الذي اسمه غزة.

فترات إغلاقه الممتدة أحيانًا لسنوات مثلت كابوسًا وخنقًا لغزة وأهلها، حيث ضيق عليهم سجنهم من المحتل ومن المقربين للأسف. وحين اشتد الحصار على غزة ولم تعد تجد لقمة العيش، دشن شباب غزة أنفاقًا بدمائهم، حيث قضوا بالمئات في حفر هذه الأنفاق لجلب الأرزاق للمحاصرين في سجنهم، قبل أن يتم إغلاقها وإغراقها بشكل كامل قبل عقد من الزمن. ولكنها مثلت لسنوات شريان حياة لسجن غزة.

محرقة غزة المستمرة بالقتل والتدمير اليومي عبر البث المباشر لسنة عسرة كاملة لم تعِطِ لذوي القربى الإرادة والمسوغ القانوني، رغم قرارات محكمة العدل الدولية وقرارات مؤتمر القمة العربية والإسلامية لفتح معبر رفح، رغم عصابات الإبادة، وإدخال المساعدات والغذاء للجوعى، والماء للعطشى، والمحروقات لمعالجة شؤونهم الضرورية، والدواء لجرحاهم ومرضهم وهم بعشرات الآلاف بعد تدمير المنظومة الصحية بالكامل أو إخراجهم للتطبب، وإدخال شيء من فرح من معبر رفح بالخروج من معبر رفح. وكل ذلك كان بحاجة إلى موافقة القتلة المحتلين وعصابات الإبادة لأمة المليار التي تنتظر إذنًا من كبير القتلة.

حتى كان يوم اجتياح رفح ومعها معبر رفح واحتلاله مجددًا وتدميره وإحراقه بالكامل، ليرى العالم عقيدة يهود جهارًا نهارًا { يُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ } البقرة 205. وما زال معبر رفح مغلقًا، وحصار مطبق خانق على غزة وأهلها. لا زجاجة ماء تدخل ولا لقمة غوث، ولا خروج لجريح أو مريض للتعافي، و { حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } آل عمران 173.

وغزة يا وجع الأمة، ما زالت تصرخ في وجه العالم الأصم: هنا شعب لا يموت، هنا شعب لا يركع، هنا شعب كلما أغلقوا في وجهه معبرًا، فتح الله له ألف باب من الصبر والثبات.

المصدر / فلسطين أون لاين