إلى وريثة الإمبراطورية البريطانية، المملكة المتحدة، بمناسبة مرور مائة عام على إصدار حكومة المملكة وعد بلفور، في الثاني من نوفمبر 2017م:
اعتدتُ أن أحيي هذه الذكرى بسرد تاريخها ووقائعها، أملًا في أن تعود إمبراطوريتكم إلى رشدها، وتعترف بأنها السببُ في تشريد سلالتي كلها، وضياع أملاكها، وسرقة أراضيها، كنتُ آملُ أن يعترف الأبناءُ بأخطاء الآباءِ والأجداد، غير أن إصراركم على "تخليد" هذه الذكرى، وعدها إنجازًا تاريخيًّا، ودعوة السارقين للاحتفال معكم بمرور مائة عام على هذه الكارثة عام 2017م، كل هذا دفعني إلى فتح ملفاتكم، وإعادة صورة أجدادكم، ليس إلى مراياكم فقط، ولكن إلى الأجيال التي لم تقرأ التاريخ.
إن شعبي الفلسطيني سيظلُّ ينظر إليكم بعين السُّخط، على منحكم أرضي، وبيتي، لغاصبٍ مُحتل، وهو اليوم لا يقبل اعتذاركم، بل يسعي إلى محاكمتكم على ما فعلتموه.
ما أقبحَ مَن ينشدون نشيدَ الحرية، ويعزفون أنغام الديموقراطية، ويرقصون على إيقاع المساواة، والعدل والإنصاف، وهم في الوقت نفسِه لم يقرؤوا تاريخهم، ولم يشعروا بآلام الشعوب التي اضطهدوها، ونسوا أو تناسَوا ملايين ضحايا الحروب التي أشعلوها!
تذكروا، كنتم أول تجار الرقيق في العالم، روَّاد الاستعباد، أسَّستْ إمبراطوريتُكم أكبرَ شركات العبودية في التاريخ البشري (شركة الهند الشرقية)، هذه الشركة ذات الاسم التجاري البرَّاق كانت تمارس الإرهاب، والقهر، والقمع، فقد استولت الشركة على شبه القارة الهندية، ومساحاتٍ من آسيا، وإفريقيا، لهدف تسخير العبيد، ليُنعشوا تجارتكم، واستولت على معظم جزر العالم لاحتكار التجارة.
ألا تتذكرين ما فعلته إمبراطوريتُك بدولة الصين مثلًا؟!
لقد شنَّت على الصين حربين: الحرب الأفيونية الأولى، والحرب الأفيونية الثانية.
أما الحرب الأفيونية الأولى فكانت بقيادة أخطر شركة إمبريالية، شركة الهند الشرقية، عام 1840-1842م، عندما حاول الصينيون حظر تجارة الأفيون، حفاظًا على شعبهم من نتائج تجارتكم المُحرَّمة، أسَّستُم أكبر وكرٍ للإدمان في العالم، إدمان الأفيون، فبلغ عدد المدمنين في الصين وحدها اثني عشر مليون مدمنٍ، لم تكتفوا بذلك، بل اقتطعتم من الصين جزءًا من أراضيها، إمارة هونغ كونغ.
أما الحربُ الأفيونية الثانية فجرت عام 1860م، لأن حاكم الصين أحرق سفينتكم المشحونة بالأفيون، ما دفعكم إلى أن تفرضوا على الصين المعاهدات المُذلة، كوعد بلفوركم، وأرغمتم الصين أن تفتح خمسة موانئ جديدة لتجارة الأفيون.
ما دفع الفيلسوف الفرنسي فيكتور هوغو إلى القول:
"تحولت بريطانيا وفرنسا إلى مجموعاتٍ من التُّجار اللصوص".
ألم يقل مؤرخُكُم البريطاني توماس أرنولد:
"لم يحفظ التاريخ حربًا أكثر قذارة من حربي الأفيون الأولى والثانية".
يا وريثة الإمبراطورية، التي كانت لا تغيبْ الشمسُ عنها، أعرفُ سببَ رفضكم الاعتذار عن الكارثة التي سببتموها للفلسطينيين، لأنَّ مجموع الكوارث التي سببتموها للعالم أكثر من أن تُحصى.
اعتاد العالم أن يصمتَ في ذكرى وعد بلفور، غير أنكم بإصراركم على إحياء المئوية وأنصاركم الإسرائيليين هذا العام 2017م لم تنكؤوا الجرحَ من جديد، بسبب الذكرى المئوية لوعد بلفور السيئ الذكر فقط، بل أيضًا فتحتم البابَ أمام العالم ليُعيد قراءة سلسلة جرائمكم في حق البشرية جمعاء، تمهيدًا لمحاكمتكم.