فلسطين أون لاين

#رسالة_قرآنية_من_محرقة_غزة

﴿بَل أَحياءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقونَ﴾‏  آل عمران169

الشهداء ليسوا أرقامًا، بل هم أرواح متجددة، تُضيء في سمائنا نورًا لا يغيب. هم الذين ضحوا بكل ما يملكون، فاستحقوا حياة أبدية عند ربهم يرزقون. في كل نقطة دم، هناك فجر جديد من الأمل، وفي كل قصة شهيد، هناك عزيمة لا تُهزم. هؤلاء الذين خرجوا من تحت الركام، حملوا معهم حُلمًا لا يموت: حلم الحرية، حلم العودة، وحلم أن يعود المسجد الأقصى إلى حضننا. هم الذين علمونا أن التضحية ليست نهاية، بل بداية لثورة لا تتوقف. في لحظات الألم، نشعر بوجودهم أكثر، لأنهم زرعوا فينا الإصرار على ألا ننسى، على ألا نتراجع. هم الأكرم منا، هم جسر العبور إلى مستقبل أفضل، هم الأحياء الذين لا يموتون في قلوبنا.

{وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ} آل عمران 140، إنه انتقاء وتكريم واختصاص الله عز وجل لهم بقربه، بأنه يتخذ منهم، والله العزيز الحكيم الكريم يتخذ ويختص وينتقي. {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} آل عمران 169، إنهم أحياء قُتلوا ظاهراً ولكنهم بين الناس أحياء بذكرهم، والأعظم عند ربهم أحياء ولكن لا تشعرون. وهم يرزقون، فهم مكرمون في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى قناديل معلقة في العرش. هؤلاء الذين يُقتَلون دفاعًا عن الحق والدين والمنهج والعرض، فيخرجون للقاء الله، لونه لون دم وريحته ريح مسك. حتى يود أحدهم، كما قال النبي ﷺ: "أن أغزو في سبيل الله فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل، ثم أغزو فأُقتل." ليسوا أرقامًا، هؤلاء الشهداء الأكرم منا جميعًا، فقد اصطفاهم ربنا {وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء} آل عمران 140. هؤلاء الذين يرتقون على مدار اللحظة في محرقة غزة وعبر البث المباشر؛ بسماعة المذياع في الأذن، وعلى مدار الساعة نستمع إلى كل نشرة أخبار من كل محطة فضائية أو إذاعية، حيث الهم اليومي متابعة عداد الشهداء في محرقة تأكل الأخضر واليابس في غزة.

والمشاعر التي تفتك بكل حي، فضلًا عن تدمير وسحق كافة نواحي الحياة لتغدو غزة غير صالحة للحياة، وما يصاحب ذلك من مشقة وعنت وكبد ومرض وجوع وعطش وموت وقتل وجراح. وصراخ عصابات الإبادة يتعالى على مدار الساعة: {لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} طه 71، وهم {يُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} البقرة 205، وهم الذين {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ} الأنبياء 68.

لا هم لنا ولا شغل سوى عداد الشهداء والجرحى اليومي المتصاعد بشكل لحظي دراماتيكي يومي، الشهداء بالمئات. حذرنا من رتابة هذه الأخبار، فالشهداء (ليسوا أرقامًا). وبعد سنة ونصف عسرة كاملة في محرقة غزة، غدا المشهد للأسف مألوفًا، حيث كل يوم مجازر جديدة وتدمير لكل شيء، وقائمة أسماء شهداء جدد في كل يوم. هذه القوائم والأسماء والأماكن تزداد، ولكن لا جديد لمشهد يتكرر مع تعديل في التاريخ والساعة والمكان، حتى فقدت أمة الهوان على الناس حتى مجرد شغف المتابعة لأخبار قتل أبنائها اليومي.

هذه الرتابة، ربما المقصودة، يعززها التكرار لنشر الأخبار، وحتى التحليلات والآراء المصاحبة لها. حتى غدا المواطن الغزي قادرًا بكفاءة فائقة على تقديم تحليل سياسي وتوقع كيف سيقرأ المحلل الخبر محل الدراسة. ومع تكرار الأسماء وحضورهم الإعلامي المتكرر، وكذلك تشابههم بينهم حد التكرار النصي، فضلًا عن التشابه بين عديد الإذاعات والفضائيات في طرق عرض نشرة الأخبار.

شهداؤنا (ليسوا أرقامًا)، بل هم بعشرات الآلاف، وهم الذين بشر بهم رسول الله ﷺ وبكاهم شهداء مقبرة عسقلان 40 أو 50 أو 70 ألفًا، كما ورد. وهؤلاء كل واحد منهم قصة وحكاية وألم وأمل ومعاناة وأحلام معلقة. هؤلاء جميعًا يحتاج الأمر منا أن نعلي ذكرهم وأن نشهر أسمائهم وأن نحتفي بهم وأن نصدرهم عبر وسائل التواصل. لذلك، وصية إلى كل أهل شهيد أن يجعلوا صفحاتهم مزينة بصور شهدائهم وقصصهم وبطولاتهم. وأيضًا لشعبنا في غزة أن يخرج الشهداء بكرامة إلى مثواهم الأخير في حفل شعبي يزفهم إلى الفردوس الأعلى، يشارك به من تيسر في ظل المحرقة الأهل والجيران والأحباب والأقارب وكل من استطاع إلى ذلك سبيلا. فهم الأكرم منا جميعًا (ليسوا أرقامًا)، وإنما هم جسر عبور للتحرير والعودة ودخول المسجد الأقصى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} ص 88.
 

المصدر / فلسطين أون لاين