فلسطين أون لاين

"عربات جدعون" والحسم الإسرائيلي الموهوم

صادقت حكومة الاحتلال على خطة عسكرية جديدة ضمن حربها المتواصلة منذ ثمانية عشرًا شهرًا في قطاع غزة، حيث تم إطلاق اسم "عربات جدعون" على هذه الخطة؛ وتتضمن احتلالًا عسكريًا مُستدامًا لقطاع غزة؛ وتحقيق أوهام نتنياهو وائتلافه اليميني المتطرف بهزيمة المقاومة الفلسطينية واستعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى بالقوة النارية؛ بما يضمن تحقيق شعارات نتنياهو الواهية بتحقيق "النصر المطلق" و"الحسم العسكري" الموهوم في غزة.

وبالنظر إلى العنوان التوراتي لهذه الخطة العسكرية؛ والذي تم استجلابه من التاريخ التوراتي المُزيّف في محاولة مستميتة لدغدغة عواطف الحاضنة اليهودية اليمينية المُتطرفة؛ سعيًا لنَيْل دعمها لهذه الخطة؛ في ظل رفض واسع عبّرت عنه نتائج استطلاع رأي أجرته وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرًا؛ وأظهر أن 46% من الإسرائيليين يعارضون توسيع الحرب في غزة؛ وأن 53% منهم يرَون أن

توسيع الحرب يأتي لدوافع سياسية تتعلق ببقاء "بنيامين نتنياهو" في الحُكم؛ بينما رأى 57% من الإسرائيليين أن توسيع القتال يُعرّض حياة الجنود الأسرى في غزة للخطر.

الخطة العسكرية الجديدة التي صادقت عليها حكومة نتنياهو؛ وما تبعها من خطاب لنتنياهو وحديثه أن جيش الاحتلال لن "يدخل إلى غزة ثم ينسحب كما حدث في الماضي"؛ وحديث وزير ماليته سموتريتش عن "احتلال قطاع غزة" و"إخلاء جميع السكان"؛ علاوة عن كونه يُعبر عن إقرار ضمني بفشل جميع الخطط العسكرية والسياسية التي نفذتها حكومة الاحتلال في غزة طيلة ثمانية عشر شهرًا مضت؛ والتي كان من بينها خطط "الفقاعات الانسانية"؛ و "الجُزُر"؛ و"خطة الجنرالات" و"خطة المحاور" لتقسيم القطاع؛ و"تهجير الفلسطينيين" وغيرها؛ فهو أيضًا يشير إلى تخبّط حكومة نتنياهو؛ وحالة الإرباك والأزمة السياسية الكبيرة التي تعيشها وهي تحاول تكرار تجارب سابقة ثبت فشلها في غزة -سيّما محاولات تحرير الجنود الأسرى بالقوة-؛ وتتهرب من الموافقة على "صفقة تبادل" تُدرك جيدًّا أنها ستضطر في النهاية إلى الخوض فيها ودفع أثمانها السياسية والميدانية مقابل تحرير الجنود الأسرى في غزة.

يجدر الإشارة إلى إن تنفيذ خطة "عربات جدعون" من قِبل حكومة الاحتلال تتطلب تحشيدًا جديدًا وواسعًا لجنود الاحتياط؛ وهذا بدوره يتطلب مدةّ زمنية قد تصل أسابيع عدة؛ وهي تصطدم برفض واسع من قِبَل مكونات إسرائيلية عديدة ترفض استمرار الحرب والعودة إلى غزة؛ في ظل قناعتها بأن حكومة نتنياهو توفر غطاءً سياسيًا للأحزاب الحريدية الداعمة لنتنياهو مقابل إعفائها من التجنيد والاستفادة القصوى من الموازنات الحكومية.

من ناحية أخرى فإن تنفيذ هذه الخطة العسكرية -غير مضمونة النتائج والتداعيات- تصطدم خارجيًا برغبة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إنهاء الحرب في غزة، وعدم التشويش الآني على زيارته لمنطقة الخليج العربي؛ وهي نقطة تؤخذ بالحسبان في ظل حرص نتنياهو على عدم إغضاب ترامب؛ وحاجته الماسّة إلى دعم الإدارة الأمريكية حال أقدم على تنفيذ تهديداته المتكررة بقصف المنشآت النووية الإيرانية خوفًا من رد إيراني مُتَوقّع.

إن مجرد إعلان حكومة نتنياهو عن خطة "عربات جدعون" قبل تنفيذها بأسابيع في غزة يؤكد بأن هذا الإعلان وما صاحبه من تهديدات وضجيج إعلامي إنما يأتي كأداة ضغط تفاوضية على المقاومة الفلسطينية للإذعان لشروط نتنياهو والقبول بصفقة جزئية لا تُنهي حرب الإبادة الجماعية في غزة؛ بقَدر ما تُخفف الضغوط الداخلية والخارجية على نتنياهو وائتلافه المتطرف؛ كما أن هذا الإعلان وما احتواه من تهديدات بتهجير أهالي غزة ورفض السماح للمؤسسات الدولية بإغاثتهم رغم تفشي المجاعة في غزة؛ والإعلان عن مخططات جيش الاحتلال بالسيطرة على المساعدات الغذائية من خلال شركات أمنية أمريكية مُتعاقدة مع جيش الاحتلال؛ وتوزيع المساعدات الغذائية ضمن أبعاد أمنية وعسكرية تكفل سيطرة إسرائيلية مُطلقة ودائمة على غزة؛ إنما يأتي ضمن حرب الدعاية النفسية المتواصلة ضد أهالي غزة الذين باتوا يعانون من مجاعة حقيقية إلى جانب حرب الإبادة الجماعية وسط صمت عربي ودولي مريب.

ختامًا فقد أضحت حكومة نتنياهو اليوم عالقةً في مستنقع غزة؛ وهي تستخدم في سبيل تحقيق أوهامها وشعاراتها الزائفة "الحسم العسكري" و"النصر المطلق" الحصار العسكري الخانق؛ والقتل الجماعي؛ والتجويع الغذائي؛ وغيرها من الأدوات والوسائل التي تتعارض بشكل فجّ مع المواثيق الدولية والقوانين الإنسانية كافة؛ كما تحاول تلك الحكومة اليمينية المتطرفة إعادة إنتاج سيمفونية الفشل من جديد من خلال الترويج لإعادة إحتلال قطاع غزة.