يرقد الشاب محمد أبو عيشة (34 عامًا) على سرير في إحدى غرف مستشفى الحلو الدولي، غرب مدينة غزة، بجسدٍ منهك وعينين غائرتين من شدة الألم والإرهاق منذ أن اكتشف الأطباء إصابته بالسرطان.
يمضي أبو عيشة أيامه في المستشفى لتقلي العلاج المتوفر في المستشفى الوحيد القادر حاليًا على توفير الخدمة الصحية لمرضى الأورام بعد تدمير جيش الاحتلال الإسرائيلي المنظومة الصحية وإخراج عشرات المستشفيات من الخدمة إبَّان حرب الإبادة التي بدأها يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وشخَّص الأطباء إصابة أبو عيشة بالسرطان في فبراير/ شباط الماضي 2025، ليجد نفسه مجبرًا على خوض رحلة معاناة قاسية مع واقع صحي هش يفتقر إلى أبسط مقومات العلاج والرعاية الصحية.
وقال لـ"فلسطين": عانيت من آلام شديدة في جسدي أصبت على إثرها بنزيف حاد حتى أصبح قياس الدم 6. بعد الفحوصات أخبرني الأطباء أنني مصاب بالسرطان في القولون.
وأضاف: "قالوا لي إن فرص نجاتي مرتفعة إذا تلقيت العلاج المناسب في الوقت المناسب. لكن الوقت مر، والدواء لم يأت وحاليًا يكتفي الأطباء بجرعات الكيماوي فهو العلاج الوحيد المتوفر حاليًا."
ويخشى الشاب، وهو أب لأربعة أطفال زينة (12 عامًا) خالد (9 أعوام) عبد الرحمن (7 أعوام) ويوسف (عامين)، أن تسوء حالته في حال نفاد العلاج الكيميائي بسبب الحصار الإسرائيلي المستمر، والذي يدفع آلاف المرضى حياتهم ثمنًا له.
وتابع: أن كل يوم يمر وأنا في قطاع غزة يزيد المرض خطورة حالتي الصحية. أخبرني الأطباء أنني بحاجة إلى علاج إشعاعي وهو لا يتوفر في قطاع غزة.
وأكمل: "أنا وغيري من المرضى بحاجة ماسة إلى العلاج خارج غزة. لا يتوفر أمامنا المزيد من الوقت، لكن الحصار الإسرائيلي يحول دون ذلك. أليس من حقنا السفر والعلاج؟ فأنا لا أريد أكثر من أن أحصل عليه."
وكانت سلطات الاحتلال شددت إجراءات حصار غزة خلال حرب الإبادة رغم التحذيرات المحلية والدولية، وهو ما ترك تداعيات إنسانية وصحية خطيرة على جرحى الحرب وغيرهم من المرضى المصابين بأمراض مختلفة وبحاجة للسفر خارج غزة لتلقي العلاج المناسب.
ورافق حرب الإبادة أيضًا قيود إسرائيلية مشددة على دخول الأدوية والمعدات الطبية في وقت تعاني فيه مشافي غزة من نقص كبير في الأدوية الأساسية لعلاج مرضى الأورام، مثل أدوية العلاج الكيميائي والمسكنات القوية.
وقبل الحرب كان العديد من المرضى ينتقلون للسفر إما عبر حاجز "إيرز"، شمال قطاع غزة، متوجهين إلى مستشفيات الضفة الغربية ومستشفيات الداخل الفلسطيني المحتل، أو من خلال معبر رفح، جنوبًا، للعلاج في مصر أو غيرها من الدول العربية.
مخاطر كبيرة
لكن حرب الإبادة التي طال أمدها وإغلاق الاحتلال منافذ غزة كلها يحول دون ذلك وسط مخاطر كبيرة تتهدد حياة مرضى الأورام. وهذا أكثر ما تخشاه المسنة سعاد دبابش، أن تصبح حياتها ثمنًا لهذا الحصار.
قالت دبابش (70 عامًا) التي تخضع للعلاج الكيميائي في مستشفى الحلو الدولي: إن الأطباء اكتشفوا قبل شهرين إصابتي بسرطان الثدي.
على إثر ذلك أقر لها الأطباء تحويلة للعلاج خارج غزة لإجراء عملية استئصال وإكمال العلاج الإشعاعي، لكن الحصار الإسرائيلي يحول دون ذلك.
وأضافت لـ"فلسطين": يتحمل المرضى معاناة مركبة بسبب الحرب وعمليات القصف والاجتياحات والنزوح. علاوة على ذلك أصبت بالسرطان ولا يتوفر لنا علاج مناسب بغزة. يجب تمكين جميع المرضى الذي هم بحاجة إلى السفر، من مغادرة غزة لإكمال علاجهم.
تخشى دبابش أن تتفاقم حالتها الصحية في ظل استمرار الحرب وعدم تلقيها العلاج المناسب. تجلس ابنتها بجوارها مرافقة لها في المستشفى وتتناوب مع شقيقتها لخدمة والدتهن ومساعدتها.
أما أكثر من يتطلعون له؛ أن تتلقي هذه المسنة العلاج المناسب. "أريد السفر سريعًا قبل فوات الأوان" قالت دبابش بصوت منهك بعد تلقيها جرعة علاج كيميائي.
ورغم المناشدات المتكررة من المؤسسات الأممية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان التي وصفت الوضع الصحي في غزة بأنه في "انهيار تام" على وقع استهدافه الممنهج، إلا أن الاحتلال لم يستجيب لهذه النداءات.