فلسطين أون لاين

​مائة عام على مأساة فلسطين


منذ مائة عام فلسطين تعيش آلامًا وجراحات مدملة، وتحيا واقعًا احتلاليًّا مأسويًّا منذ الاحتلال البريطاني لأرض فلسطين، بعد تنفيذ اتفاقية تقاسم الوطن العربي بين الدول الاستعمارية الكبرى التي سميت اتفاقية (سايكس بيكو) عام 1916م، لتكون أرض فلسطين من نصيب بريطانيا الدولة الاستعمارية في ذلك التاريخ.

ومنذ أن وطئت أقدام البريطانيين أرضنا فلسطين بدؤوا تقديم المساعدات لليهود الصهاينة، من أجل تمكينهم من احتلال أرض فلسطين، ومنحهم وزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر بلفور وعده المشؤوم في الثاني من تشرين الثاني عام 1917م.

ومنذ ذلك الوقت ألزم الصهاينة القوى الاستعمارية الكبرى التعامل مع هذا الوعد والمساعدة على تنفيذه، وبدأ الصهاينة حينها يكثفون الهجرات إلى أرض فلسطين، وينشئون التجمعات التعاونية الزراعية، وذلك ضمن خطط السيطرة على أرض فلسطين.

وبطبيعة الحال قاوم الفلسطينيون الهجرات الصهيونية إلى فلسطين، وقاوموا الاحتلال البريطاني وإجراءاته الإجرامية بحقهم، ورفض الفلسطينيون والعرب مخططات بريطانيا الخبيثة لتمكين الصهاينة اليهود في أرض فلسطين، ووضعهم في أرفع المناصب الحكومية.

والتاريخ يسجل الثورات الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني، وضد استمرار الهجرات اليهودية الصهيونية إلى أرض فلسطين، وأبرز الثورات ثورة البراق التي اندلعت بمدينة القدس في التاسع من أغسطس عام 1929م، وإضراب عام 1936م الذي استمر مدة ستة أشهر، وهو أطول إضراب خاضه الفلسطينيون ضد المحتلين، وبعدها تواصلت الثورات والتظاهرات ضد الاحتلال البريطاني حتى حرب نكبة فلسطين، وتزايد عمليات القتل والتدمير بحق الفلسطينيين التي خاضتها العصابات الصهيونية من أجل تهجير وطرد أكبر عدد من الفلسطينيين من أرضهم، وإحلال اليهود الصهاينة.

وبعد مرور مائة عام على وعد بلفور المشؤوم تخرج علينا رئيسة وزراء بريطانيا (تيرزا ماي) لتعلن افتخارها بهذا الوعد، واحتفال بريطانيا بهذه الذكرى، لا أدري أي وقاحة سياسية هذه عندما تفتخر رئيسة وزراء بأكبر جريمة قتل وإبادة وتطهير عرقي في التاريخ الحديث المعاصر، بدلًا أن تكفر بريطانيا عن أخطائها وتعتذر إلى الفلسطينيين والعالم عن الخطأ التاريخي تعلن أنها ستقيم الاحتفالات في الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم.

إن فلسطين والفلسطينيين لا يزالون يعانون الويلات والنكبات بسبب هذا الوعد التاريخي المشؤوم، الذي غرس الكيان السرطاني في قلب الوطن العربي، خنجرًا مسمومًا يبث الفوضى والنزاعات والخلافات بين أبناء الوطن العربي، ولم يشهد الوطن العربي أمنًا واستقرارًا يومًا منذ احتلال أرض فلسطين.

إن بريطانيا دعمت الحركة الصهيونية بكل قوة من أجل احتلال فلسطين، وتنفيذ وعد بلفور المشؤوم، وأصدرت حكومة الاحتلال البريطاني مئات الأوامر العسكرية والقرارات من أجل تمكين اليهود من السيطرة على أرض فلسطين، وقدمت لهم المساعدات المادية والمعنوية كافة، وأيضًا كرست بريطانيا جهدها لتسهيل إقامة وطن قومي لليهود بالاعتراف بالوكالة اليهودية والتعاون معها في المجالات كافة، وفتح أبواب الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والتسهيل لليهود امتلاك الأراضي بشتى الوسائل، والضغط على الفلاح الفلسطيني لبيع أرضه، وتهيئة الفرصة أمام العصابات اليهودية للتدرب على القتال والتزود بالسلاح اللازم، في المقابل كانت بريطانيا تتخذ إجراءات عنصرية، منها الإعدام والسجن للفلسطينيين العرب سكان البلاد الأصليين والأكثرية، وتحرمهم الحقوق كافة والوظائف الإدارية واشتراء الأراضي والحريات، بهدف تمكين اليهود من احتلال أرض فلسطين.

لقد منح البريطانيون اليهود الوعد الذهبي الذي يبحثون عنه منذ سنين، وهم يرسلون الهدايا والوفود إلى السلطان العثماني عبد الحميد الثاني للسماح لهم بالهجرة إلى أرض فلسطين، لتصبح فلسطين وطنًا قوميًّا لهم، ونحن نتذكر كلماته المسطرة في تاريخنا بمداد الذهب: "انصحوا الدكتور هرتزل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع؛ فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبر واحد من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية، ولقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه، فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يومًا فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة، وهذا أمر لن يكون، إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة".

اليوم بعد مرور مائة عام على وعد بلفور المشؤوم يواصل الاحتلال الصهيوني سرقة أرض فلسطين، وإقامة المئات من آلاف الوحدات الاستيطانية عليها، ويواصل تهويد المقدسات وسرقة وتخريب الآثار، وتنشر قوات الاحتلال الصهيوني على أرضنا آلاف الحواجز الأسمنتية، وتواصل جرائم القتل والاستيطان على أرضنا المحتلة، والحل الوحيد هو تمسكنا بثوابتنا ووحدتنا وسلاحنا من أجل تحرير أرضنا الفلسطينية، وكنس الاحتلال عنها.