للوهلة الأولى، تبدو نتائج استطلاع للرأي العام أجراه بشكل مشترك مركزان أمريكي وفلسطيني، أمراً مدهشاً وغريباً، وسط "حرب الإبادة الإسرائيلية" على غزة، وحملات التحريض المخابراتية والدولية ضد المقاومة الفلسطينية التي بدأت معركة "طوفان الأقصى" باتجاه المواقع العسكرية والاستيطانية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948.
لكن هذه الدهشة سرعان ما تزول وتتحول إلى قناعة راسخة، حينما سأل مراسل "فلسطين أون لاين" بعض المواطنين: لماذا جاءت نتائج هذا الاستطلاع على هذا النحو؟ رغم أنهم لم يشاركوا فيه.
وبحسب نتائج استطلاع الرأي العام الذي أُجري مؤخراً بين المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، ومركز (آرتس إنترناشيونال) الأمريكي، فإن حركة حماس لا تزال تتصدر التأييد الشعبي في غزة.
"المقاومة.. الحكم.. الفقراء"
"لو اخترت للمشاركة في هذا الاستطلاع، لأصوّت مجدداً لحركة حماس"، هكذا قال المواطن محمد أبو عون (36 عاماً)، صاحب منزل هدمته آلة الحرب الإسرائيلية، ونجل شهيد وشقيق خمسة شهداء من الذكور والإناث.
وعزا رأيه لسببين رئيسين؛ الأول: قناعة شعبنا بأهمية وجود المقاومة، التي تتمسك بها حركة حماس نهجاً وخياراً لمقارعة الاحتلال والدفاع عن أبناء شعبنا من جرائم الاحتلال المستمرة منذ النكبة الفلسطينية حتى اللحظة.
أما السبب الثاني، برأي أبو عون، فيعود إلى إدراك المواطن في غزة – خلال فترة الحرب الدائرة – تداعيات ومآلات غياب حكم حماس عن القطاع، بسبب القصف الإسرائيلي المتواصل على مقدرات الحكومة وعناصر الشرطة، الأمر الذي زاد من قناعته بأهمية وجود حكم حماس، وبسط الأمن والأمان عبر سيطرتها على جميع مكونات المجتمع.
البائع مالك البغدادي (45 عاماً)، الذي شارك في الانتخابات البرلمانية صيف 2006 التي انتهت بفوز حركة حماس، تحدث عن سنوات طويلة وصعبة من حكم الحركة الفلسطينية لغزة، أبرزها الحصار الإسرائيلي المشدد براً وبحراً وجواً حتى اللحظة.
لكن المواطن، الذي فقد منزل عائلته في قصف إسرائيلي بمخيم البريج وسط القطاع، قال إن "الكثير من الأحكام والاتهامات أُطلقت تجاه حماس، سواء في الحكم أو المقاومة.. حتى جاءت معركة طوفان الأقصى، بما لا يدع مجالاً للشك، أن المقاومة نهج راسخ في هذه الحركة التي تدافع عن شعبنا وحقوقه".
وأشار البغدادي إلى محطات ناصعة وتاريخية لحركة حماس في المقاومة العسكرية، إلى جانب إدارة الحكم والنظام الداخلي – بشكل غير مسبوق – خلال سنوات حكمها، بما في ذلك القضاء على الاقتتال الداخلي والمشاكل العائلية.
وتُظهر نتائج الاستطلاع أن نسبة المؤيدين للمقاومة المسلحة بلغت 52.2%.
وبحسب رب الأسرة، سعيد الحلو (58 عاماً)، فإن حركة حماس لم تترك شعبنا خلال الفترات العصيبة، فكانت ولا تزال "سنداً للفقراء والمساكين والأيتام والمنكوبين" من أبناء شعبنا.
واستذكر الحلو حصوله على منحة لترميم منزله المتهالك في مدينة دير البلح، من رئيس الحكومة الفلسطينية السابق، الشهيد إسماعيل هنية، بقيمة خمسة آلاف دولار، سائلاً الله أن تذهب هذه الحرب أدراج الرياح، وتعود الحركة لاستعادة حكمها وقوتها لإدارة شعبنا مجدداً.
"السلطة.. الفساد.. التنسيق الأمني"
في المقابل، انتقد الموظف في السلطة، أيمن (دون ذكر اسم عائلته خشية العقاب المالي في راتبه)، سلوك حركة "فتح" التي اكتفت بالعمل في الضفة الغربية فقط دون سائر المناطق الأخرى.
ورأى أيمن أن حركة "فتح" يغلب عليها "نظام الكوتات" و"الفوضى"، دون الحفاظ على هياكلها التنظيمية أو الاهتمام باحتياجات شعبنا وفئاته الهشّة.
وطبقاً لنتائج الاستطلاع، لا تزال حركة حماس تحظى بالمرتبة الأولى في نسبة التأييد، لكن النسبة تراجعت بحوالي 17%، إذ سجلت حماس تأييداً شعبياً بنسبة 38% في بداية "طوفان الأقصى"، لتتراجع إلى 21% مطلع عام 2025.
ومن وجهة نظر الناشط، فايز السويطي، فإن تراجع شعبية "فتح" يعود لعدة أسباب، أبرزها: استمرار تأييدها للسلطة، والسكوت أو التبرير لجرائمها، كـ"التنسيق الأمني" وملاحقة وتصفية المقاومين، وكذلك تواطؤ السلطة مع الاحتلال في تدمير وتهجير مناطق شمال الضفة الغربية.
ومن بين الأسباب الأخرى: الشراكة الثنائية بين السلطة و"فتح" في زعزعة الأمن وإحداث الفوضى داخل غزة، رغم انشغال حركة حماس في مواجهة جيش الاحتلال، إلى جانب استشراء الفساد الحكومي والمالي، والظلم، والاعتقالات السياسية في الضفة الغربية.
في المقابل، أشاد السويطي بأداء حركة حماس حكومياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً، وحتى خلال المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، مؤكداً أن برنامجها وأذرعها العاملة في الداخل والخارج، نقلت القضية الفلسطينية إلى العالمية.
وأظهر الاستطلاع أيضاً ارتفاعاً في نسبة تأييد التنظيمات الأخرى (الجبهة الشعبية وحركة الجهاد الإسلامي)، من 14% في بداية الطوفان إلى 19% حالياً.