منذ السابع من أكتوبر 2023م، يشهد قطاع غزة حربًا إسرائيلية غير مسبوقة أسفرت عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى في صفوف المدنيين. وبينما يعاني المدنيون من القصف المستمر، يواجه الصحفيون الفلسطينيون حملة استهداف متواصلة من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وتشمل هذه الاعتداءات تهديدات بالقتل واستهدافًا مباشرًا للصحفيين الذين يحاولون توثيق الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني.
ولم تقتصر هذه الاعتداءات على الهجمات العسكرية فقط، بل شملت أيضًا تحريضًا إعلاميًا ممنهجًا أصبح أداة لتبرير استهداف الصحفيين بشكل مباشر.
ولعبت وسائل الإعلام الإسرائيلية دورًا محوريًا في نشر الأكاذيب والاتهامات الموجّهة ضد الصحفيين، ولم تقتصر التقارير الإسرائيلية على تغطية الأحداث الميدانية، بل توسعت لتشويه صورة الصحفيين الفلسطينيين واتهامهم بالتواطؤ مع الفصائل الفلسطينية.
وساهم التحريض الإسرائيلي في خلق بيئة تهديدية "مبرّرة" لاستهداف الصحفيين، حيث أصبحوا في مرمى نيران الاحتلال.
وتُعدّ حادثة استهداف خيمة الصحفيين في خان يونس، فجر أول من أمس، من أبرز الحوادث التي سلطت الضوء على هذا التصعيد؛ فقد استهدفت الطائرات الإسرائيلية الخيمة التي كان الصحفيون الفلسطينيون يستخدمونها لتغطية الأحداث، ما أسفر عن استشهاد الصحفي أحمد منصور متأثرًا بإصابته، وجرح العديد من الصحفيين الآخرين.
تحريض رقمي
وقال الخبير القانوني عصام عاروري إن منصات التواصل الاجتماعي أصبحت ساحة جديدة للقتال الإعلامي، حيث استخدم الاحتلال الإسرائيلي وسائل التواصل الاجتماعي لتوجيه التحريض ضد الصحفيين الفلسطينيين.
وذكر عاروري أنه تم تداول منشورات وحملات على هذه المنصات تدعو إلى قتل الصحفيين واتهامهم بالخيانة، لافتًا إلى أن هذه الحملات لم تكن مجرد رسائل فردية من متطرفين، بل كانت تديرها حسابات مرتبطة بالاحتلال أو مؤيدة له.
وحثّ عاروري، عبر "فلسطين أون لاين"، الخبراءَ القانونيين على إجراء تحقيقات دولية في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال ضد الصحفيين الفلسطينيين.
وأشار إلى أن الجرائم ضد الصحفيين تُعدّ جزءًا من "حرب إبادة" أوسع ضد الفلسطينيين، وأن التحريض الإعلامي الرقمي جزء من هذه الحرب.
وأكد أن هذا التحريض الممنهج يعكس سياسة إسرائيلية رسمية تهدف إلى تدمير الحقائق وتغطية الجرائم المرتكبة في قطاع غزة.
من جهته، دعا مركز "صدى سوشال" إلى فتح تحقيق دولي عاجل، مبرزًا ضرورة محاسبة الحسابات الإسرائيلية المتورطة في التحريض على قتل الصحفيين.
كما دعا المركز، إلى اتخاذ إجراءات فورية من قبل شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي لوقف استخدام هذه الأدوات في نشر خطاب الكراهية والعنف ضد الصحفيين الفلسطينيين.
وأضاف المركز أن على هذه المنصات أن تتحمّل مسؤوليتها في مكافحة الخطاب التحريضي.
مرمى النار
من جانبه، أكد المحامي في مجموعة "محامون من أجل العدالة" ظافر صعايدة أن الصحفيين الفلسطينيين يُعتبرون فئات محمية بموجب اتفاقية جنيف، لكن الاحتلال الإسرائيلي استمر في استهدافهم بشكل ممنهج، دون مراعاة للقوانين الدولية التي تضمن حماية الصحفيين في مناطق النزاع.
وأضاف صعايدة، لـ"فلسطين أون لاين"، أن العديد من الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف لعام 1949 وبروتوكولها الأول لعام 1977، نصّت على وجوب توفير الحماية للصحفيين في أوقات الحرب.
واستنكر صمت المؤسسات الدولية والحقوقية والقانونية تجاه تلك الجرائم، مطالبًا العالم الحر والمؤسسات التي تدّعي احترام القانون بمحاسبة الاحتلال على هذه الجرائم، وأن تمارس محكمة الجنايات الدولية مهامها في تطبيق القوانين الدولية التي تحمي الصحفيين، وتدعو إلى معاقبة المسؤولين عن هذه الجرائم.
ويُشكّل التحريض الإعلامي الإسرائيلي ضد الصحفيين الفلسطينيين في غزة جزءًا من حملة أوسع تهدف إلى قمع الحقيقة ومنع العالم من التعرف على ما يحدث في القطاع.
وتستمر قوات الاحتلال في عدوانها على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، ما أسفر عن استشهاد 50,752 فلسطينيًا، معظمهم من الأطفال والنساء، وإصابة 115,475 آخرين.
وهذه الحصيلة غير نهائية، إذ ما زالت فرق الإسعاف والإنقاذ عاجزة عن الوصول إلى العديد من الضحايا العالقين تحت الأنقاض وفي الشوارع.