فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

فقد خلالها 24 شهيدًا من ذويه

تقرير محمود الحسنات.. بالتفاؤل والعطاء "يداوي نفسه" بعد نجاته من مجزرة إسرائيلية

...
غزة/ محمد عيد:

في ليلة وضحاها، وجد الناشط الاجتماعي محمود طاهر الحسنات نفسه أمام واقع صعب ومعقد للغاية، على خلاف سنوات عمله في المبادرات الاجتماعية وجلسات التفريغ النفسي للأطفال في غزة.

تعود تلك اللحظة إلى الساعة التاسعة وأربعين دقيقة ليلًا من ليلة 19 نوفمبر 2023م، حينما قصفت طائرة حربية إسرائيلية منزل العائلة الواقع في حي الدرج شرق مدينة غزة، لترحل زوجته (فاطمة) وطفلته (سوار - 5 سنوات) وثمانية من أشقائه وأطفالهم إلى العلياء.

24 شهيدًا من النازحين وأفراد العائلة التي لطالما اجتمعت وتسامرت طويلًا، ليجد الناجون من تلك المجزرة الإسرائيلية أنفسهم بين المستشفيات ومراكز النزوح.

لم ينجُ محمود (37 عامًا) من المجزرة سريعًا، بل مكث في العناية المكثفة في المستشفى الإندونيسي شمال القطاع، ولاحقًا نقلته الطواقم الطبية إلى مستشفى غزة الأوروبي، حيث مكث على سريره ثلاثة أشهر، أجرى خلالها ست عمليات جراحية.

رافقه في هذه الرحلة طفله الناجي من المجزرة "عبيدة" (9 أعوام)، حيث مكث في جنوب القطاع 15 شهرًا داخل إحدى مدارس الإيواء، إلى حين عودة النازحين من الجنوب إلى الشمال، بناءً على بنود اتفاق إطلاق النار الذي لم يدم طويلًا، إذ تنصل الاحتلال منه وعاد لاستئناف الإبادة الجماعية ضد المدنيين المحاصرين.

لا ينسى محمود رحلة العلاج والنزوح الطويلة، مع مكابدة العناء في التأقلم على الواقع الجديد، والتي لا تزال مستمرة. خاصةً الأسئلة المتكررة لطفله الذي يلح عليه بتكرار: "متى ستأتي ماما؟ .. متى ستأتي سوار؟".

أسئلة عديدة لم يجد المعالج النفسي للأطفال أجوبة عليها أمام طفله، الذي سالت دموعه في أحد الأيام في لحظة قهر وألم على رحيل الأحبة جميعًا.

"كنت دائمًا المعالج الذي يساعد الآخرين، حياتي كانت مليئة بالأمل والنشاط.. لكن بعد فقدان أسرتي وعائلتي، أصبح الواقع مختلفًا تمامًا"، هكذا يلخص محمود أيامه قبل وبعد المجزرة التي أقعدته طريح الفراش والهمة أشهرًا عديدة.

14 عامًا من العمل في المبادرات الاجتماعية قضاها الناشط بين الأمل والتفاؤل والمرح، لكنها لم تسعفه للوقوف قويًا أمام سلسلة من التحديات النفسية والاجتماعية والصحية، حتى وصل به الحال ليسأل: "من يعالجني نفسيًا؟ من يخرجني من هذا الواقع؟".

يواجه عمال الرعاية الصحية والنفسية في غزة المعاناة ذاتها التي يعيشها 2.4 مليون شخص في القطاع، الذي يشهد حرب إبادة جماعية تسببت بفقدان كثيرين بيوتهم وعائلاتهم، ويعيش أغلبهم في خيام أو مراكز إيواء، بحسب منظمة أطباء بلا حدود.

في خضم هذا الواقع الأليم، وإيمانًا وثقة بالله (عز وجل)، قرر الخطاط ومصمم الإعلانات رسم طريقه من جديد والانتصار على التحديات الجسام، ليعود مجددًا إلى حياته السابقة التي أحبها، ويقضي وقته في مساعدة الأطفال والترفيه عنهم.

يتجول صاحب المنزل المدمر وشقيق الشهداء حاليًا بين مراكز ومخيمات النزوح، وكذلك المستشفيات والمراكز الطبية المتبقية من حرب الإبادة، في محاولة لإدخال البهجة والسرور على الأطفال والجرحى وآبائهم.

"الجميع هنا في غزة يحتاج للعلاج والدعم النفسي.. لا زالت هذه الحرب المسعورة تحصد أرواح الأبرياء، تفرق بين الأزواج وتحرم الآباء من أطفالهم"، يتحدث محمود: "بل حرمت الأطفال من طفولتهم وتعليمهم وأماكن الفرح واللعب".

حديث المعالج النفسي يتوافق مع إحصائيات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) التي تؤكد أن كل طفل في غزة يحتاج إلى تدخلات صحية نفسية. وقد أفادت دراسة للبنك الدولي بأن 70% من سكان غزة يعانون من اضطرابات تستدعي تدخلات نفسية.

قبل الحرب الحالية، كان 4 من كل 5 أطفال في غزة يعانون من الاكتئاب والخوف والحزن، وأدى القصف الإسرائيلي المكثف والنزوح والحصار إلى تكثيف "الصدمات"، وفقًا للطبيب ياسر أبو جامع من برنامج الصحة النفسية المجتمعية في غزة، الذي قال إن نحو 1.2 مليون طفل في غزة يحتاجون إلى علاج من "الصدمات النفسية".

ولا ترى منظمة أطباء بلا حدود أو برنامج غزة للصحة النفسية سوى خيار واحد، وهو ما يأمله محمود وعبيدة سويًا: انتهاء هذه الحرب الهوجاء.

المصدر / فلسطين أون لاين