فلسطين أون لاين

تحليل: على الفلسطينيين العض على جراحهم وشدّ رباط المصالحة بقوة

...
غزة - محمد القوقا

استبقت (إسرائيل) الموعد المرتقب لتسلّم الحكومة الفلسطينية مهامها في غزة مع إطلالة شهر تشرين ثان/ نوفمبر، غدًا، بارتكاب جريمة في جنوب قطاع غزة، وصفها مراقبون بأنها "خطيرة في توقيتها"، في محاولة لتحقيق "مكاسب" عديدة يسعى رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى تحقيقها، أبرزها تعطيل عجلة المصالحة الفلسطينية، والهروب من قضايا الفساد التي تلاحقه وزوجته.

ومن وجهة نظر المراقبين، الذين استطلعت صحيفة فلسطين آراءهم حول تصورات الرد الفلسطيني على جريمة استهداف النفق، أمس، فإن تفويت الفرصة على الاحتلال الإسرائيلي وعدم الرد عليها، في ظل الظرف الإقليمي والدولي الحالي ليست علامة ضعف، وإنما قد تشكل عاملًا قويًا للفلسطينيين للمضي قدمًا في المصالحة وترتيب البيت الداخلي.

وبينما أكدت كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، أن دماء الشهداء السبعة الذين قضوا جراء الاستهداف الإسرائيلي لنفق المقاومة، أمس "لن تذهب هدرًا"، شددت سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي على أن "جميع خيارات الرد ستكون أمامنا مفتوحة".

ورغم وصف الخبير في الشأن الإسرائيلي صالح النعامي حادثة استهداف نفق المقاومة بالخطيرة والمفجعة على الفلسطينيين ومقاومتهم بشكل خاص ومؤيدي المقاومة بشكل عام، إلا أنه يرى أن الظروف الحالية "بالغة الحساسية" لجهة الرد على الجريمة.

ويقول النعامي: إن فكرة اندلاع مواجهة مع الاحتلال في ظل هذه الظروف "لن تكون محصلتها في صالح الفلسطينيين".

ومن وجهة نظره، لا يكفي أن تكون محقًا فقط، بل يجب أن تكون حكيمًا، فالمسألة ليست عبارة عن مشكلة عائلية، وفق تعبيره.

ويؤكد المحلل السياسي عماد أبو عواد، أن (إسرائيل) أرادت إرسال رسائل عدة باستهداف النفق أولها موجهة للفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية أنها لاعب رئيس في المصالحة، حيث تسعى لاختبار المقاومة في غزة والسلطة في رام الله بشأن إن كان "قرار الحرب" وتصعيد المواجهة مع الاحتلال يخص المقاومة وحدها أم تتشارك فيه السلطة كذلك.

ولذلك فإن (إسرائيل) ترى أن الذهاب نحو التصعيد مع المقاومة في غزة سيؤدي إلى نوع من عودة الانقسامات والخلافات الفلسطينية، خاصة أن قرار السلم والحرب يُطرح بقوة على طاولة المصالحة من قِبل السلطة في رام الله في وجه حركة حماس، كما يقول أبو عواد.

وعقب توقيع اتفاق المصالحة بين حركتي حماس وفتح في العاصمة المصرية القاهرة في 12 أكتوبر الحالي، صرّح موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحماس، أن حركته، لن تقبل بمناقشة قضية سلاح المقاومة، خلال جلسات التفاوض المرتقبة مع حركة فتح.

وأكد أبو مرزوق أن "سلاح المقاومة موجود لحماية الشعب الفلسطيني، ولا يعقل أن تلقي المقاومة الفلسطينية سلاحها ولا زالت أرضها محتلة وشعبها مشردًا".

إحراج المقاومة

وليس لدى المحلل السياسي طلال عوكل شك بأن قصف النفق عبارة عن تدخل إسرائيلي باتجاه تعطيل المصالحة الفلسطينية وإحراج فصائل المقاومة سواء ردت على الجريمة أو لم ترد خصوصًا في ظل طرح ملف المقاومة وسلاحها على طاولة المصالحة.

وبحسب تصوره، فإن الجانب الفلسطيني لن ينجر إلى الرد على جريمة الاحتلال "حتى لا يؤدي ذلك إلى قلب الطاولة من جديد على موضوع المصالحة".

ويرى أبو عواد، أن تعطيل المصالحة الفلسطينية هدف أول لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ويعزّزه بهدف آخر للتهرب من التزامات التسوية التي تشهد هذه الأيام حراكًا أمريكيًا أوروبيًا وإن كان "غير جدي"، وفق وصفه.

ويلتقي أبو عواد مع النعامي في نقطتين، الأولى بأن (إسرائيل) تريد تغيير قواعد اللعبة لتقول للعالم أن استهداف النفق "تم داخل حدودها، وبالتالي هي في حالة دفاع وليس هجوم ومن الممكن أن تقنع العالم بذلك".

والنقطة الثانية هي التغطية على ملفات الفساد التي تلاحق رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وزوجته سارة.

ويضيف أبو عواد على ذلك، ما أسماها "الفائدة الأمنية الإستراتيجية" التي تريد (إسرائيل) من ورائها إبقاء "قوة الردع" موجودة، والحس الأمني مرتفعًا لدى المستوطن الإسرائيلي عبر اقناعه بأن المنظومة الأمنية لازالت تعمل بقوة من أجل حمايته خاصة في ظل أخطر قضية باتت تواجه تلك المنظومة في الفترة الأخيرة، في إشارة إلى سلاح الأنفاق الهجومية للمقاومة الفلسطينية.

وبرز سلاح الأنفاق بفعالية في وجه (إسرائيل) خلال عدوانها على قطاع غزة صيف عام 2014م بعدما نجحت من خلاله المقاومة الفلسطينية في تنفيذ عمليات نوعية ساهمت في قتل وإصابة العشرات من جنود جيش الاحتلال.

ويعتقد أبو عواد أن مسألة الرد الفلسطيني على جريمة الاحتلال مرتبطة بالظرف الإقليمي والدولي، لكن هذا لا يعني تفويت الفرصة على الاحتلال بل على العكس تمامًا، مشيرًا إلى أن غزة ظلت صامدة تدافع عن نفسها رغم ثلاث حروب استهدفتها في ظرف ست سنوات، "ولم تحتفظ بحق الرد لسنوات طويلة كحال بعض الأنظمة العربية".

ويسجل لغزة كما يقول أبو عواد أنها باتت تدرس الواقع الإقليمي وبالتالي تتشارك العمل الدبلوماسي مع العسكري وهو ما يشكل إضافة نوعية للمقاومة الفلسطينية، خصوصًا مع تدخل جهات إقليمية ثقيلة في المصالحة وفي ظل وجود حراك دولي لفرض رؤية معينة على المنطقة.

أما المحلل السياسي طلال عوكل فيؤكد أن الموقف الفلسطيني من الجريمة الإسرائيلية الجديدة يتطلب وجود مؤسسة وطنية تحتضن الكل الفلسطيني، وتؤخذ القرارات عبرها بشكل مشترك، وهو ما يؤكد عليه النعامي، مشددًا على أن الحكمة تتطلب عدم الرد وإعطاء (إسرائيل) ذرائع لإفشال المصالحة.