لحظات من الترقب والقلق لا تزال تقضيها زوجة المعتقل السياسي إبراهيم جبر (55 عاماً)، تتعطش فيها لسماع أي خبر عن زوجها الذي اقتادته أجهزة أمن السلطة إلى سجونها دون معرفة الأسباب الكامنة لذلك.
قبل أسبوع تقريباً، داهمت عناصر السلطة في جنين مقر عمل جبر في "لجنة زكاة جنين"، الذي يشغل بها نائباً لمديرها دون سابق إنذار، وزجته في سجونها.
"أنا مُعتقل في سجون الأمن" تلك الكلمات التي وصلت أم مصعب وهي في بيتها لتطفئ من حرقة قلبها بعض الشيء، بعدما تمكّن زوجها من الاتصال بها لثوانٍ معدودة بعد اعتقاله بساعتين تقريباً.
اندفعت أم مصعب (48 عاماً) نحو المكان وأخذت تُجري محاولاتها لمعرفة أسباب الاعتقال وظروفه، إلى أن روى لها أحد الشهود الذي كان في المكان بأن "عناصر أجهزة السلطة انهالت على زوجها بالضرب المبرح خلال اقتياده من داخل غرفة عمله".
وتؤكد أم مصعب لصحيفة "فلسطين"، أن "أجهزة السلطة لا ترحم من تعتقله وتتعامل معه بعنف وقسوة، بل وتنهال بالضرب المبرح عليه، في أثناء الاعتقال، وخلال مكوثه في أقبية زنازينها".
وتروي أن زوجها أمضى في سجون الاحتلال قرابة 15 عاماً متفرقة، فيما استشهد ابنها البكر مصعب أيضاً داخل زنازين الاحتلال، "لكن السلطة لا تفرق في التعامل بين مواطن وآخر، ولا تنظر لحجم تضحياته".
هذه ليست المرة الأولى التي يُزج فيها أبو مصعب في زنازين الأجهزة الأمنية "السوداء"، فبحسب ما تروي زوجته وقلبها يعتصر ألماً من وحشية السلطة في التعامل مع زوجها وغيره من المعتقلين، "أنه جرى اعتقال زوجها في ليلة القدر بشهر رمضان وأمضى عيد الفطر هناك".
وتوجه السلطة عدة تهم لزوجها، جُلها يقع ضمن إطار عمله، وأبرز هذه التهم هي "مساعدة الفقراء والمحتاجين، بطريقة غير مقبولة من وجهة نظرها".
ولم تُخفِ أم مصعب حجم التعذيب والإهانة التي يتعرض لها زوجها في سجون السلطة، سواء الجسدية أو النفسية، دون رحمة أو شفقة تراعي حالته الصحية.
كما قضى المعتقل السياسي جبر وهو رب أسرة مكونة من أربعة أفراد في تلك الفترة عيد الفطر بين زنزانة السجن الذي لم تتجاوز مساحتها المترين، الأمر الذي فاقم من معاناته وعذاباته، وهو ما لخصته زوجته بعبارة "العيد عند اليهود أرحم من السلطة".
وفي ظل أجواء المصالحة الوطنية، تطالب الأربعينية أم مصعب، بإنهاء ملف الاعتقالات السياسية في الضفة، الذي ينهش أجساد المواطنين بصمت، ويفاقم معاناتهم.
ولم يكن اعتقال إبراهيم جبر الوحيد في ظل تكرار المشهد الذي لم تنتهِ فصوله بشكل شبه يومي في مختلف مدن الضفة الغربية المحتلة.
قصة أخرى تروي فصولها المواطنة أم عبد الرحمن، زوجة المعتقل السياسي زاهر موسى، قبل 4 أيام بشكل تعسفي دون توجيه أي تهم مباشرة له.
واقتادت أجهزة السلطة موسى الذي يعمل مدرساً في إحدى مدارس نابلس، من منزله بشكل "تعسفي"، وفق ما ذكرت زوجته.
هذا الاعتقال لم يكن الأول له، حيث مكث قرابة أكثر من عامين بشكل متفرق بين أقبية زنازين السلطة من جهة، وأكثر من 7 أعوام في سجون الاحتلال، دون مراعاة لأدنى حقوقه الإنسانية والاجتماعية، والكلام لـ"أم عبد الرحمن".
وتروي أن زوجها لم يهنأ بحياة سعيدة بين أحضان عائلته، لا سيما أنه تنقل عدة مرات بين زنازين السلطة والاحتلال، والتي كان آخرها قبل أربعة أشهر عندما أفرجت عنه سلطات الاحتلال.
وتقول الأم لأربعة أطفال: "السلطة لا تُحب أن ترى الإنسان الناجح، كأمثال زوجي الذي يعمل في مهنة التدريس منذ عدة أعوام".
وتضيف: "ما يزيد مأساة العائلة، هي السياسة التي تنتهجها الأجهزة الأمنية عند زيارة عائلته له، حيث التفتيش والإهانة والإذلال، عدا عن تحديد مدة الزيارة القصيرة التي لا تتجاوز الربع ساعة".
ووجهت الزوجة، رسالة للجهات المختصة وخاصة طرفي المصالحة، متسائلة: "لماذا تسعون لإثبات المصالحة في غزة، ولا نرى لها أثراً في الضفة؟"، داعيةً إياهم إلى ضرورة الالتفات لمعاناة أبناء شعبنا الفلسطيني، خاصة في الضفة.
وكانت لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة رصدت ما يزيد على الـ150 انتهاكًا ارتكبتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، منذ بدء التحضيرات للمصالحة الوطنية.
وأوضحت اللجنة في بيان لها، أن الانتهاكات توزعت بين 40 حالة اعتقال، وأكثر من 100 حالات استدعاء، فضلًا عن تعذيب العديد من المعتقلين، وإضراب بعضهم عن الطعام لاعتقالهم غير القانوني.