فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

14 نقطة لفهم موقف القانون الدولي الإنساني

استهداف "إسرائيل" للمسؤولين السياسيين والإداريين في غزة: قانوني أم جريمة دولية؟

...
استهداف "إسرائيل" للمسؤولين السياسيين والإداريين في غزة: قانوني أم جريمة دولية؟
ليما بسطامي

في 18 آذار/مارس، استأنفت "إسرائيل" هجماتها العسكرية على قطاع غزة، وعادت إلى شن غارات جوية وبرية وبحرية مكثفة أدت إلى مقتل مئات الفلسطينيين، غالبيتهم من النساء والأطفال.

برّرت "إسرائيل" هذه الهجمات بدعوى استهداف عدد من المسؤولين في الفصائل الفلسطينية المسلحة، من بينهم قادة سياسيون ووزراء وموظفون مدنيون.

لكن، كيف ينظر القانون الدولي الإنساني إلى هذا النمط من الهجمات؟

مديرة الدائرة القانونية في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، ليما بسطامي، تجيب في 14 نقطة:

  1. بموجب القانون الدولي الإنساني، لا يجوز استهداف الأفراد في الجماعات المسلحة بناءً فقط على عضويتهم أو انتمائهم، بل يجب أن يستند ذلك إلى طبيعة المهام التي يؤدونها داخل الجماعة. ولا يُعد شغل مناصب غير قتالية، مثل المناصب السياسية أو الإدارية، مبررًا مشروعًا للاستهداف. وبينما يجوز استهداف المقاتلين المشاركين في الأعمال العدائية، يُمنع استهداف المدنيين ما لم يشاركوا فيها بشكل مباشر، ويُقتصر ذلك على الفترة التي تستمر فيها تلك المشاركة المباشرة فقط.

كيف يميّز القانون الدولي الإنساني بين المقاتل والمدني؟

  1. ​يُعدّ "المقاتل" كل شخص ينتمي إلى القوات المسلحة لطرف في النزاع، أو إلى جماعة مسلحة منظمة ويؤدي ضمن صفوفها وظيفة قتالية دائمة ويشارك بصفة مستمرة في الأعمال العدائية. ويجوز استهداف المقاتلين في جميع الأوقات طوال فترة النزاع، ما لم يصبحوا عاجزين عن القتال بسبب الإصابة أو الاستسلام أو الوقوع في الأسر.
     
  2. أما "المدني"، فهو كل من لا يندرج ضمن الفئات القتالية، ويتمتع بالحماية من الاستهداف، طالما لم يشارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية. وحتى في حال مشاركته، فإن فقدان الحماية يقتصر على المدة الزمنية التي تستمر فيها تلك المشاركة المباشرة. وبمجرد توقفه عن المشاركة، يستعيد الحماية الكاملة التي يكفلها له القانون بصفته مدنيًا.

ما الظروف التي تجعل مشاركة المدني في الأعمال العدائية سببًا لفقدانه الحماية التي يكفلها له القانون الدولي الإنساني؟

  1. يفقد المدني الحماية التي يتمتع بها بموجب القانون فقط إذا شارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية. ولا يٍُعدّ الفعل مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية إلا إذا تحققت فيه ثلاثة شروط مجتمعة: أولًا، أن يُلحق ضررًا مباشرًا بطرف في النزاع أو بقدراته العسكرية (عتبة الضرر). ثانيًا، أن يكون هناك ارتباط سببي مباشر بين الفعل والضرر الناتج عنه (العلاقة السببية المباشرة). وثالثًا، أن يكون الفعل موجّهًا بوضوح لدعم أحد أطراف النزاع من خلال إلحاق الأذى بالطرف الآخر (الصلة القتالية(.

هل يفقد الفرد حمايته القانونية لمجرد انتمائه أو تولّيه منصبًا داخل جماعة مسلحة؟

  1. إن مجرد تولّي وظائف غير قتالية ضمن جماعة مسلحة أو حزب سياسي له جناح عسكري، كالمناصب السياسية أو الإدارية أو المدنية، لا يُفقد الفرد صفته المدنية، ولا يجعله مقاتلًا أو هدفًا مشروعًا للهجوم، طالما أن مهمته الأساسية والمستمرة لا تتمثل في الانخراط المباشر والمنتظم في الأعمال العدائية. وبالمثل، فإن مجرد الانتماء إلى هذه الكيانات لا يسقط عنه الحماية القانونية. ووفقًا للقانون الدولي الإنساني، يحتفظ الشخص في هذه الحالات بصفته المدنية، ولا يجوز استهدافه إلا إذا شارك بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وطوال مدة تلك المشاركة فقط.
     
  2. وهذا ما تؤكده اللجنة الدولية للصليب الأحمر: لا يجوز استهداف الأفراد في الجماعات المسلحة استنادًا إلى عضويتهم أو انتمائهم فحسب، بل يجب أن يستند الاستهداف إلى الدور الفعلي الذي يضطلعون به داخل الجماعة. وبناءً عليه، يُعدّ الأفراد الذين يضطلعون بوظائف قتالية مستمرة جزءًا من القوة القتالية للجماعة، ويجوز استهدافهم. أما الذين يشغلون مناصب غير قتالية، كالمناصب السياسية أو الإدارية، فيُعدّون مدنيين ويتمتعون بالحماية القانونية، ولا يجوز استهدافهم كأهداف عسكرية مشروعة، حتى وإن كانوا منتمين إلى الجماعة، إلا إذا شاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية.
     
  3. استنادًا إلى هذه المعايير، لا تُعدّ الأدوار ذات الطابع السياسي أو الإداري أو الخدمي، ولا الوظائف المدنية التي تُعنى بتقديم الخدمات للسكان، بما في ذلك مجالات مثل التعليم والصحة والإدارة العامة، وحتى الأمن الداخلي والشرطة المدنية، مشاركة مباشرة في الأعمال العدائية بحد ذاتها. ويحتفظ شاغلو هذه الوظائف بالحماية المدنية، ما لم يثبت أنهم قد قاموا بأفعال محددة تستوفي الشروط الثلاثة للمشاركة المباشرة.

وماذا عن الجماعات المصنفة "إرهابية"؟

  1. لا يتضمّن القانون الدولي الإنساني حتى اليوم أي تعريف لمفهومي "الإرهابي" أو "المنظمة الإرهابية"، لا يعترف هذا القانون بأي وضع قانوني خاص يستند إلى هذه التصنيفات. وحتى في حال تصنيف مجموعة مسلحة كمنظمة "إرهابية" من قِبل بعض الجهات أو الدول، فإن هذا التصنيف لا يغيّر من القواعد الموضوعية التي يقرّها القانون الدولي الإنساني في سياق النزاعات المسلحة، ويظلّ المعيار الحاكم في جميع الأحوال هو التمييز بين المقاتلين والمدنيين، استنادًا إلى المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية. ويُشكّل هذا التمييز الأساس الوحيد لتحديد ما إذا كان الفرد يُعدّ هدفًا عسكريًا مشروعًا. ولا يجوز التذرّع بأي تصنيفات سياسية أو أمنية لتجاوز هذه القاعدة أو لتبرير انتهاك الحماية القانونية التي يتمتع بها المدنيون.

ما الذي تعنيه هذه القواعد في سياق ما يحدث في غزة؟

  1. هذا يعني أنه لا يجوز "لإسرائيل" استهداف أي قائد سياسي في الفصائل الفلسطينية المسلحة، أو أي مسؤول أو موظف يعمل في الكيانات الحكومية أو المدنية أو الإدارية التابعة لها، لمجرد موقعه الوظيفي هذا، كما لا يجوز استهداف أي فرد منتمٍ إليها لمجرد انتمائه. فهؤلاء يُعتبرون مدنيين، ويتمتعون بالحماية التي يضمنها لهم القانون الدولي الإنساني، ولا يجوز استهدافهم إلا إذا شاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية، وفقط طوال المدة التي تستمر فيها تلك المشاركة الفعلية، أسوة بأي مدني آخر في النزاع المسلح.
     
  2. لكن ما يجري في قطاع غزة لا يتوقف عند استهداف المدنيين تحت ذريعة الانتماء إلى الفصائل الفلسطينية، بل يتعداه إلى نمط أكثر فظاعة، حيث تعمدت القوات "الإسرائيلية" تنفيذ ضربات استهدفت قادة سياسيين وإداريين أثناء وجودهم مع أسرهم، ما أسفر عن إبادة كاملة لعائلات بأكملها، من نساء وأطفال لا علاقة لهم بأي نشاط عسكري. هذا النمط من الهجمات يكشف تغييبًا متعمدًا لأي تمييز حقيقي لدى إسرائيل بين المقاتل والمدني، وانهيارًا تامًا للمعايير القانونية في تحديد من يجوز استهدافه ومن يُحظر قتله، حتى بات كل فلسطيني في غزة، بغضّ النظر عن صفته أو موقعه، يُعامَل كهدف مشروع للقتل.

ماذا يحدث إذا تم الاستهداف خلافًا لهذه القواعد؟

  1. يُعدّ هذا النوع من الاستهداف جريمة بموجب القانون الدولي، إذ يجرّم القانون الدولي الإنساني بشكل مطلق استهداف المدنيين عمدًا في أي ظرف من الظروف، بمن في ذلك القادة السياسيون أو الإداريون أو المدنيون المنتمون إلى جماعة مسلحة، لمجرد شغلهم تلك المناصب أو انتمائهم، طالما أنهم لم يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية.
     
  2. كما وفي جميع الأحوال، يُجرّم القانون الدولي الإنساني الهجمات العشوائية، بما في ذلك استخدام وسائل أو أساليب قتالية لا تميّز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، والتي تؤدي بطبيعتها إلى إلحاق الأذى بالمدنيين أو تدمير ممتلكاتهم دون تفريق. كما يحظر الهجمات غير المتناسبة، وهي التي يُتوقع أن تُسفر عن خسائر جسيمة في أرواح المدنيين أو إصابات بينهم، وتكون آثارها المدمرة مفرطة مقارنة بالميزة العسكرية المباشرة والملموسة المتوقعة منها.
     
  3. وأخيرًا، تُعدّ الهجمات التي تُنفذ عمدًا ضد المدنيين، أو تلك التي تُنفذ بشكل عشوائي أو مفرط، انتهاكًا جسيمًا للقانون الدولي الإنساني، وتشكل في حدّها الأدنى، وبحد ذاتها، جرائم حرب بموجب اتفاقيات جنيف، والبروتوكول الإضافي الأول، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. غير أنّ السياق العام الذي تجري فيه هذه الهجمات، واتساع نطاقها، وخطورتها، والطابع المنظّم والمتكرر الذي تتسم به، وما خلّفته من دمار هائل ومعاناة بشرية غير مسبوقة، يوفّر دليلًا إضافيًا على أن ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة يشكّل جرائم ضد الإنسانية، بل وحتى جريمة إبادة جماعية، وفقًا للتعريفات الواردة في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
     
  4. وبناءً على ما سبق، وبموجب أحكام القانون الدولي، تتحمّل الدول التزامات قانونية صارمة، سواء بصورة فردية أو ضمن الأطر الدولية والإقليمية، لاتخاذ جميع التدابير الممكنة لوقف هذه الجرائم ومنع تكرارها، وضمان المساءلة الكاملة عن جميع المتورطين فيها، بمن فيهم القادة السياسيون والعسكريون على أعلى المستويات. وتشمل هذه الالتزامات ملاحقتهم جنائيًا على المستويين الوطني والدولي، دون أي استثناء أو حصانة، فضلًا عن ضمان جبر الضرر الكامل للضحايا وإنصافهم وفقًا لأحكام القانون الدولي. كما تلتزم المؤسسات الدولية المختصة، بما في ذلك آليات العدالة الجنائية الدولية والإقليمية، بأداء دورها في التحقيق في هذه الجرائم، وضمان محاسبة المسؤولين عنها، دعمًا لجهود المساءلة، ومنع الإفلات من العقاب.
المصدر / المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان