فلسطين أون لاين

آخر الأخبار

من العلاج إلى حمل المياه.. الحرب تحوّل حياة مرضى "الغضروف" إلى جحيم

...
من العلاج إلى حمل المياه.. الحرب تحوّل حياة مرضى "الغضروف" إلى جحيم
غزة/ محمد القوقا

عندما يرفع محمود سمعان (42 عامًا) دلو الماء إلى الطابق الرابع حيث تقيم أسرته في حي الكرامة بشمال غزة، يشعر كأن ظهره سينكسر. لم يكن يتخيل أن الألم الذي عانى منه لسنوات بسبب انزلاق غضروفي سيتضاعف بهذا الشكل. لكن حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 جعلت حتى أبسط المهام اليومية عبئًا لا يُحتمل.

يعيش سمعان مع زوجته وطفليه وأنسبائه النازحين في شقة مستأجرة ببناية تعرضت للحرق على يد جنود الاحتلال خلال اجتياح سابق. هذه الشقة، كحال معظم المنازل، تعاني من انقطاع المياه نتيجة تعطل مضخات الضخ بسبب انقطاع الكهرباء وتدمير مئات الكيلومترات من شبكات المياه خلال الحرب. يقول سمعان: "كنت أحرص على تجنب أي مجهود زائد حتى لا تزيد آلامي، لكن مع انقطاع المياه، لم يكن أمامي خيار سوى حملها يوميًا بعد تعبئة جالونات من عربات توزيع المياه الخيرية التي تجول الشوارع. في البداية كان الأمر صعبًا، ثم أصبح مستحيلًا."

يضيف وهو يتحدث بصعوبة بسبب الألم المستمر: "في بعض الأيام، لا أستطيع النهوض من الفراش. ظهري متشنج، وساقي تصاب بالتنميل. قبل الحرب، كنت أذهب للعلاج الطبيعي وأتناول مسكنات لتخفيف الألم، لكن الآن كل شيء متوقف."

آلام متزايدة

لم يكن سمعان الوحيد الذي يعاني. محمود النجار (55 عامًا)، الذي أصيب بانزلاق غضروفي منذ سنوات، يواجه الوضع ذاته. يسكن في الطابق الثالث مع أسرته المكونة من خمسة أفراد، ويضطر لحمل المياه يوميًا من مدرسة مجاورة وسط ألم شديد. يقول: "كل مرة أرفع فيها جالون الماء، أشعر أن ظهري قد ينكسر. لكن ماذا أفعل؟ لا يوجد ماء في الأنابيب، وبناتي يحتاجون إليه للشرب والجلي والاستحمام."

سمير حسن (48 عامًا)، مريض غضروف آخر، وجد نفسه عاجزًا عن النوم بسبب آلامه المتزايدة بعد اضطراره لحمل المياه يوميًا. يقول: "لم أعد أتحمل. كنت أعاني من آلام متقطعة، لكنها أصبحت الآن دائمة، حتى أنني لا أستطيع الركوع أثناء الصلاة في بعض الأيام. والمشكلة أنني لا أجد أي علاج أو حتى مسكنات فعالة تخفف من معاناتي."

انعدام العلاج يزيد المضاعفات

ويقول نور صيام، أخصائي علاج طبيعي، إنه في الوقت الحالي يصعب على مرضى الغضروف التقيد بتجنب الأحمال التي أُجبروا عليها مثل حمل المياه، إلا إذا كان هناك من يساعد المريض. ويشير إلى أن تأثير الأحمال على مرضى الغضروف يتمثل في انضغاط الأعصاب، وحرقان، وخدر (تنميل)، وألم يشبه نخز الإبر، وقد يفقد المريض الإحساس بقدمه، وقد يتطور الأمر إلى إعاقة.

ويضيف صيام لـ "فلسطين أون لاين": "المعاناة برنامج علاجها طويل، وقد زادت شكاوى مرضى الغضروف خلال الحرب ما بين 30 إلى 70 في المائة." وينوه إلى أن جلسات العلاج الطبيعي لمرضى الغضروف في الوقت الحالي صعبة جدًا وغير متوفرة، بعدما دمرت قوات الاحتلال القطاع الصحي بغزة.

وينصح صيام مرضى الغضروف بتجنب الأحمال قدر الإمكان، وإن كان لابد من الحمل، فينصح بأن تكون الأوزان أقل من المعتاد. فمثلاً، إذا اعتاد المريض أن يحمل جالون مياه بوزن 18 لترًا، ينصح بحمل نصف الكمية فقط، مع تركيز الحمل على الظهر بدلاً من اليدين.

إقبال متزايد على المسكنات

من جهتها، تؤكد الصيدلانية شيماء حمدان أن الطلب على المسكنات تضاعف منذ اندلاع الحرب، مع نقص حاد في الأدوية بسبب الحصار والإغلاق. تقول حمدان لـ"فلسطين أون لاين": "الكثير من المرضى يأتون يوميًا بحثًا عن مسكنات، لكن المخزون محدود جدًا. بعض الأنواع مثل أدوية الأعصاب والمضادة للالتهابات غير متوفرة تقريبًا، ما يترك المرضى في معاناة مستمرة."

وتضيف: "بعض الأشخاص المقتدرين يشترون كميات من المسكنات خوفًا من نفادها، ما زاد من النقص في الصيدليات."

بالنسبة لمحمد مصباح (38 عاما)، لم يعد يحلم بالعلاج، بل فقط بالحصول على يوم واحد دون ألم يجعله عاجزًا عن الوقوف. يقول: "لا أريد شيئًا سوى أن أعيش دون هذا العذاب اليومي، لكن يبدو أن الأمر مستحيل في هذه الظروف."

المصدر / فلسطين أون لاين