يشهد قطاع غزة هذه الأيام وضعًا إنسانيًا مأساويًا يزداد سوءًا مع استمرار إغلاق المعابر لأكثر من أسبوعين، ما دفع الأهالي إلى حافة المجاعة من جديد.
ووفقًا لبيانات أصدرها المكتب الإعلامي الحكومي في غزة وبرنامج الغذاء العالمي، فإن الوضع الغذائي بات كارثيًا، حيث يعاني الغزيون نقصًا حادًا في المواد الأساسية، وعلى رأسها المواد الغذائية، وسط مخاوف متزايدة من تفاقم الأزمة إذا استمر إغلاق المعابر لفترة أطول.
البيانات الرسمية تشير إلى أن معظم المواد التموينية الأساسية قد نفدت من الأسواق الغزية، كما توقفت معظم الشاحنات التي كانت تدخل عبر المعابر عن الوصول، وهو ما أثر بشكل مباشر على توفر المواد الغذائية، وخاصة اللحوم، سواء الطازجة أو المجمدة.
وتفيد تقارير برنامج الغذاء العالمي أن 70% من سكان القطاع باتوا يعتمدون بشكل شبه كامل على المساعدات الغذائية، في حين يعيش آخرون على الطعام المعلب الذي عاد ليشكل الوجبة الرئيسية لمعظم العائلات، بعد أن كانوا قد تخلصوا منه مؤقتًا مع دخول كميات بسيطة من المساعدات في الأسابيع السابقة.
حسام كلوب، البالغ من العمر 36 عامًا، واحد من هؤلاء المواطنين الذين تعصف بهم الأزمة. يعيل حسام ثلاثة من الأبناء ويصف معاناته اليومية قائلًا: "طوال الأسبوع الماضي لم يدخل بيتي أي نوع من اللحوم، لا طازجة ولا مجمدة. اللحوم اختفت من السوق، وإن توفرت فهي شحيحة وبأسعار لا أستطيع تحملها".
يضيف كلوب لصحيفة "فلسطين" أن الوضع أصبح أكثر صعوبة مما كان عليه أثناء الحرب السابقة، حيث اضطر مجددًا للاعتماد على الطعام المعلب لسد رمق أبنائه.
ويستذكر تلك الأيام العصيبة التي مرت عليه وعلى عائلته خلال فترات الحصار الطويلة التي عايشها قطاع غزة سابقًا، لكنه يقول إن هذه المرة أصعب بكثير بسبب فقدان مصدر دخل ثابت وعدم وجود أفق لتحسن الأوضاع.
أما محمود أبو طبيخ، وهو نازح يبلغ من العمر 40 عامًا يقيم في أحد مراكز الإيواء بشمال قطاع غزة، فيروي قصة معاناته بعد أن فقد منزله في القصف الأخير.
يعيل أبو طبيخ خمسة من الأبناء، ورغم أن وضعه المادي قبل الحرب لم يكن سيئًا، فإنه اليوم عاجز عن توفير أساسيات الغذاء لأسرته.
"مائدة الطعام في بيتي باتت فارغة تمامًا من الأطعمة الطازجة واللحوم، حتى في شهر رمضان لا نجد للإفطار سوى المعلبات والقليل من الخبز والأرز الذي نحصل عليه من مركز الإيواء"، يقول لصحيفة "فلسطين".
ويعرب عن خشيته من أن تعود المجاعة إلى غزة بقوة إذا استمر إغلاق المعابر ومنع دخول المواد الغذائية.
رفع الحصار
وفي شهادة أخرى، يروي علي أبو عودة، البالغ من العمر 42 عامًا، تفاصيل الوضع المأساوي الذي يعيشه مع أسرته.
ويعيل علي ثلاثة من الأبناء، ويشتكي من قلة المواد الغذائية المتوفرة في الأسواق بسبب استمرار إغلاق المعابر وارتفاع أسعار ما تبقى منها، رغم الجهود الرسمية لضبطها.
"أخشى أن يصل الإغلاق إلى المخابز، فنحن نعتمد الآن في وجبة الإفطار على التكيات الخيرية، وفي الأسبوع الماضي لم يدخل بيتي سوى بعض الأرز الخالي من اللحوم وبعض الطبخات البسيطة المعتمدة على المعلبات"، يقول علي، متمنيًا أن تنتهي الحرب قريبًا ويرفع الحصار عن قطاع غزة، لتعود الحياة إلى طبيعتها والأسواق إلى نشاطها.
البيانات الصادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة تؤكد أن استمرار إغلاق المعابر يهدد حياة أكثر من مليوني إنسان في القطاع، حيث أصبحوا على حافة الجوع الحقيقي، لا سيما بعد توقف دخول القوافل الإغاثية والمواد الغذائية الأساسية.
من جهته، حذر برنامج الغذاء العالمي من أن غزة تواجه خطرًا شديدًا يتمثل في انعدام الأمن الغذائي، مشيرًا إلى أن الأزمة قد تتطور إلى مجاعة إذا لم يتم فتح المعابر فورًا وإدخال المساعدات الغذائية والإنسانية العاجلة.
في ظل هذا المشهد القاتم، يعاني الغزيون من أزمات مركبة، حيث لا تقتصر المعاناة على نقص الغذاء، بل تتعداها إلى غياب الرعاية الصحية وتدهور البنية التحتية، مما يجعل الأمل معلقًا على إنهاء الحرب وفك الحصار وعودة الحياة الطبيعية إلى القطاع المنهك.
وكان برنامج الأغذية العالمي قد أعلن أن قوات الاحتلال أغلقت جميع المعابر إلى قطاع غزة منذ 2 مارس، مما حال دون دخول الإمدادات الغذائية والإنسانية.
وأوضح البرنامج أن لديه مخزونات تكفي لدعم المخابز والمطابخ في غزة لمدة شهر، لكن العديد من المخابز اضطرت للإغلاق بسبب نقص الغاز. كما أكد أن 1.1 مليون شخص ينتظرون إمدادات غذائية إضافية.
في حين حذر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، من خطورة استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات والسلع الأساسية، واصفًا ذلك بـ"جريمة جديدة" ضمن سياسة العقاب الجماعي والموت البطيء التي يفرضها الاحتلال على 2.4 مليون نسمة.
وأكد أن التسويف في تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار أدى إلى شح المواد الغذائية، مما يهدد بعودة شبح المجاعة، خاصة في ظل انعدام الأمن الغذائي وتوقف معظم التكيّات الخيرية عن العمل. وشدد على أن الفئات الأكثر هشاشة، كالأطفال والمرضى، هم الأكثر تضررًا من هذا الحصار الخانق.