فلسطين أون لاين

يعيشون في دوران وانزلاق مستمرَّيْن

عائلة "الظاظا".. حياة خطرة في بيت مائل

...
عائلة "الظاظا".. حياة خطرة في بيت مائل
غزة/ يحيى اليعقوبي

بميلان كبير، يرتكز طابقان هما ما تبقى من عمارة منزل خالد زهير الظاظا (44 سنة) وإخوته المكونة من ستة طوابق على أحد بيوت الجيران، وركام أربعة طوابق، بعد تعرض المنزل للنسف من قبل جنود جيش الاحتلال الذين مكثوا في البيت أكثر من شهر في أثناء اجتياح مدينة غزة، وبعد الخروج منه فجروه لتتساقط الطوابق السفلية الأربعة فوق بعضها ويبقى طابقان مائلان للخلف.

رغم صعوبة الحياة في الطابقين المتبقيين، إلا أن امتلاء مركز الإيواء القريب من منزله، بالنازحين والمشردين من شمال القطاع ومدينة غزة، جعل الظاظا يتحمل الحياة في بيت تنحت حجارة سقفه، ومهدد بالانهيار في حال حدوث قصف قريب أو بسبب العوامل الجوية، وهو ما يبقي أفراد العائلة في قلق وخوف دائم.

تحت أشعة شمس الصباح، يجلس الظاظا على ركام بيت عمه المجاور لمنزله، ويتأمل بحسرة تعلو ملامحه منزله، وبقايا أخشاب ودعامات بناء، استطاع انتشالها من تحت الردم، كونه كان يعمل مقاول بناء بنى أعدادا كبيرا من البيوت السكنية بمدينة غزة على مدار 25 عاما من العمل، لكنه يقف عاجزا أمام العودة للعمل بسبب تدمير كل مشروعه وآلاته وسيارته التي كان يستخدمها في نقل الأخشاب ومعداتها.

على شرفة المنزل التي كانت في السابق تطل من الطابق الخامس، تنشر زوجته وابنته الملابس المبللة ولا تبعد المسافة بينها وبين أرضية الطريق سوى ثلاثة أمتار، يلفت وجود حياة في المنزل انتباه المارين الذين لا تتوقف عيونهم عن النظر بأحداق متسعة وبحالة ذهول لوجود حياة ببيت مائل بهذا الشكل وبه حياة.

بيت مائل

بينما يتجه نظر الظاظا نحو مخيم الإيواء الذي لا يبعد عنه سوى نحو خمسين مترا، يقول لصحيفة "فلسطين" بملامح شاحبة وصوت متعب: "عدنا من جنوب القطاع بعد رحلة نزوح فتفاجأنا بوجود البيت مدمرا ومائلا، كنا في السابق نعيش فيه بسعادة ويأوينا وهو كما يقولون "تحويشة العمر" الآن أصبح خرابا، يتكئ على بيت جيران ويمكن أن يسقط على رؤوسنا بأي هزة أو قصف مجاور".

وعن سبب تمسكه بالعيش في بيت مهدد، كانت إجابته مليئة بالوجع وهو يفرد كفيه متسائلا بعلامات استفهام لم تجد إجابة في رحلة بحثها: "أين سنذهب؟ نحن تسعة أفراد، هناك خوف ومعاناة في كل مكان، فبعض أبنائي شباب ولا يمكن أن نجلس كلنا في خيمة مهما كانت سعتها فلن تكون كافية لنا".

الظاظا1.jpg

وإضافة لخطر العيش في بيت مائل، يصاب الزائر للبيت بدوران شديد "دوخة" ناتج عن عدم استواء سطح السقفين المتبقيين، كما أن أفراد المنزل خاصة بالطابق الذي يعلوه ينزلقون وهم يمشون بالمنزل بسبب الميلان الشديد ونعومة ملمس البلاط "كراميكا" وهو ما جعل شقيقه يترك المنزل ويعيش بخيمة مجاورة، أما في منزل خالد الظاظا فالأمر أفضل قليلا من ناحية زاوية الانحدار كما أن ملس البلاط الخشن من الأنواع القديمة يساعد في عدم الانزلاق.

باستخدام ألواح زينكو وأخشاب وشوادر، قام الظاظا بإغلاق فتحات الجدران، ونتيجة تدمر خطوط الصرف الصحي بالمنزل، حوّل غرفة الضيوف إلى دورة مياه.

 يتأمل في منزله بعينين محمرتين قائلا: "رغم الدوران "الدوخة" لكننا تحملنا ذلك، وقمت برفع الأسرّة بحجارة من جهة الميلان حتى يصبح طرفا السرير مستويين. كان البيت كبيرا من ستة طوابق لكن جنود جيش الاحتلال دمره ومعه دمروا أحلامنا وشردونا ولم يستطع أخي تحمل العيش بالطابق الآخر وبقيت لعدم وجود بديل".

وضع خطر

وبعد جهود مضنية استطاع الظاظا إنشاء درج يوصل للبيت من خلال جمع الحجارة المدمرة، التي يجلس على أحد درجاتها، ويتابع بينما توشك دمعاته على السقوط رغما عنه نتيجة مرارة الواقع الذي يتحدث عنه "كان الركام كبيرا في الشارع، وقمت بتنظيفه وإزالة القمامة، وعانيت في إنشاء درج من الحجارة حتى نستطيع الدخول والخروج من المنزل".

إلى الأمام لبضعة خطوات، يقف أمام بيت عمه المكون من خمسة طوابق وتعرض للنسف كذلك، ترحل ذاكرته للحظة بنائه للبيت بتنهيدة تغادر قلبه محملة بالمرارة والقهر، قائلا: "هذه البيوت بنيناها لكي تأوي أحلامنا، أذكر كيف بنيت هذه الطوابق وكم دفع عمي مالا حتى يجهز هذا البيت، والآن تحول إلى كومة من الحطام".

على مقربة من المكان، يتجه نظره نحو سيارته التي لطالما استخدمها في نقل العمال وأدوات البناء ودمرها جيش الاحتلال، يقلب كفيه بحسرة ترافق صوته ودموع تسيل من عينيه وهذه المرة لم يحاول إخفائها "كل حالي ومالي تدمر، الآلات، أدوات البناء، السيارة، والبيت، والآن أجلس متعطلا عن العمل لا أقوى على إعالة أبنائي. الوضع الذي نعيش فيه مأساوي بكل تفاصيله".

الظاظا2.jpg

يمتلك الظاظا خبرة واسعة في مجال المقاولات، يعود من واقعه المأساوي لحاله قبل الحرب، مستذكرا: "لم يكن قطاع البناء يعمل بشكل مطلوب بسبب الحصار، لكن كان هناك مصدر دخل، كنت مسؤولا عن 20 عاملا، بين فترة وأخرى نعمل لكن ورغم ذلك إن عادت الأمور لحالها سأعود بالتأكيد للعمل في البناء للمشاركة في الإعمار".

يكشف عن أحد الألواح التي يسد فيها ثغرة بالردم ويظهر من خلالها كميات اخشاب بناء كبيرة تطبق الأسقف عليها وتكسرها، وأضاف وهو يمسح دموعه: "كل يوم أجلس أمام البيت أنظر إلى حالي وبيتي ومشروعي وأبكي على حالي الذي وصلت إليه".

لم تكن حياة النزوح التي عاشتها العائلة سهلة، فبعد مغادرة مدينة غزة إلى جنوب القطاع عاشوا في خيام ونزوح بين عدة محافظات في خيام، وكانوا يأملون العودة وإيجاد منزل يأويهم.

فيما يقول شقيقه محمد الذي لم يتمكن من العيش بالمنزل، وفضل العيش بخيمة لصحيفة "فلسطين: "عندما اقتحم جنود الاحتلال المنطقة نسفوا العمارة فانهارت الطوابق السفلية وبقي طابقان مائلان للخلف، بعد عودتنا من النزوح سكناهم لكن مع شعورنا المستمر بالدوران وانزلاقنا للخلف ونحن نائمون وارتطامنا بالجدران، وحدوث رجة كبيرة بالبيت قبل أسبوع بدأنا بنصب خيام نعيش بها بالنهار ثم نأتي للمنزل في ساعات الليل".

ويضيف وهو يتجول بداخل شقته المائلة مشيرا لموضع نومه: "عندما نستيقظ بالليل لا نستطيع المشي وأحيانا نرتطم بالجدران، أرضية الشقة بها فتحة كبيرة، وقبل أيام سقط حجر على ظهر ابن أخي، ونسمع طقطقة من أثر التشققات ونخشى فعليا من الانهيار لذلك أنشأنا خياما".

وبسبب الحرب باتت آلاف المنازل مهددة بالانهيار وتشكل خطرا على حياة ساكنيها، ووفقا لإحصائيات نشرها المكتب الإعلامي الحكومي بغزة مؤخرًا، تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصحبت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة، ما يعني أن 437 ألف وحدة تعرضت للتدمير الكلي والجزئي.

المصدر / فلسطين أون لاين