في سابقة تاريخية، لجأت الولايات المتحدة الأمريكية، القوة العظمى في العالم، إلى التفاوض المباشر مع حركة المقاومة الإسلامية حماس، وفتح قناة تواصل معها في العاصمة القطرية الدوحة، وهو ما يحمل الكثير من الدلالات الاستراتيجية والسياسية.
تُعطي هذه المفاوضات المباشرة حركة حماس قوة إقليمية ودولية، ويعكس تغييرًا في النهج الأمريكي التقليدي الذي كان يقتصر على التعامل مع السلطة الفلسطينية فقط، وتغييرًا أيضًا في لغة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي حملت الكثير من التهديدات ضد الحركة.
يعكس ذهاب أمريكا إلى التفاوض المباشر مع حركة حماس إدراكًا أمريكيًا لضرورة التعامل مع الفاعلين الحقيقيين على الأرض، خاصة مع تعاظم قوة الحركة إقليميًا.
يؤكد قبول حماس بالتفاوض المباشر مع واشنطن أنه يمثل تحولًا في استراتيجيتها أيضًا، ويضع لها قدمًا في المجتمع الدولي، ويحقق مكاسب سياسية عبر الانفتاح على قوى كبرى مثل الولايات المتحدة.
الكاتب والمحلل السياسي مأمون أبو عامر، يؤكد أن الإدارة الأمريكية ممثلة بالرئيس دونالد ترامب، وجدت صعوبات في المفاوضات مع رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يواجه صعوبات كبيرة داخلية، لذلك توجهت إلى مسار مستقل وهو التفاوض المباشر مع حركة "حماس".
وقال أبو عامر لصحيفة "فلسطين": "الولايات المتحدة ذهبت ضمن مبادرة سريعة وجديدة للتفاوض المباشر مع حركة حماس لفتح الطريق أمام المفاوضات، وذلك سبقته مقدمات وعمليات استكشاف من قبل الوسطاء لإمكانية التوصل إلى اتفاق، ووجدوا أن حماس جاهزة والعقبة عند الاحتلال الإسرائيلي".
وأضاف: "قد يكون هناك علم لدى حكومة نتنياهو اليمنية وتواصل حول التفاوض المباشر مع حركة حماس، ولكن ترامب لا يسمح بطبيعته لدولة الاحتلال وقيادتها أن تعارضه وتعترض عليه، لذلك حين تم الكشف عن المفاوضات لم يجرؤ نتنياهو على تحدي الرئيس الأمريكي".
وأوضح أن ترامب يريد السير قدمًا نحو صفقة شاملة تكون مختلفة عما تريده "إسرائيل"، وهي خطوة حاسمة ومهمة جدًا، بعيدًا عن الخلافات الحكومية في "إسرائيل".
وأشار إلى أن الولايات المتحدة لديها مرونة في التفاوض أكثر من الاحتلال الإسرائيلي، وتجريد "حماس" من سلاحها لن تكون عقبة في هذه المفاوضات لأن الأمريكان والمصريين يدركون أن تحول قطاع غزة إلى منطقة منزوعة السلاح يمثل خطرًا أمنيًا، وبالتالي سيجدون مخرجًا من هذه المعضلة.
وبين أن المفاوضات المباشرة بين حركة "حماس" والولايات المتحدة تهدف إلى الوصول إلى اتفاق طويل المدى في قطاع غزة، ضمن استراتيجيتها الشاملة في المنطقة.
بدوره، اعتبر الكاتب والمحلل السياسي إياد القرا لقاءات حركة حماس والولايات المتحدة خطوة مهمة يمكن البناء عليها لفتح قناة حوار بين الطرفين، ليس فقط لمعالجة ملف الأسرى، خصوصًا الجنود الذين يحملون الجنسية الأمريكية، بل لفتح آفاق أوسع قد تفضي إلى وقف الحرب على غزة وإلزام الاحتلال بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
وقال القرا في منشور عبر حسابه في موقع "فيسبوك": "زيارة المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف للمنطقة قد تسهم في تعزيز هذه الحوارات ونقلها إلى مستوى يتجاوز قضية الأسرى، في ظل مسارعة الولايات المتحدة لتأكيد هذه الاتصالات، مما يعكس إمكانية التعايش مع حماس، خاصة ضمن توجه الإدارة الأمريكية لتحقيق مصالحها بالدرجة الأولى، وهو ما يتم الترويج له باستمرار".
وأشار إلى أن هذه الاتصالات تراجع ثقة واشنطن في الاحتلال الإسرائيلي وقدرته على تأمين الإفراج عن باقي الأسرى، بمن فيهم الأمريكيون، كما تثبت فشل الاحتلال في القضاء على حماس أو إقصائها من المشهد السياسي.