في ظل تصاعد التهديدات بتنفيذ مخططات التهجير القسري للفلسطينيين في قطاع غزة، جاءت الخطة المصرية لإعادة الإعمار كمحاولة عربية لقطع الطريق أمام هذه المشاريع الإسرائيلية المدعومة أمريكيا.
وبينما يواجه تنفيذ الخطة تحديات سياسية معقدة، ترتبط بالرفض الإسرائيلي والتهديد بعودة الحرب على القطاع مع تعنت الاحتلال في مفاوضات وقف العدوان على غزة والتواطؤ الأمريكي، يؤكد محللون سياسيون أن نجاح الخطة العربية مرهون بإرادة عربية صلبة، وايجاد خطوات عملية، وضغط دولي منسق، بالإضافة إلى توافق فلسطيني. فهل تنجح هذه الجهود في حماية القطاع من التهجير وتثبيت الفلسطينيين في أرضهم أم تتراجع تحت وطأة الضغوط الإسرائيلية والأمريكية؟
وأكد البيان الختامي للقمة العربية رفض مقترحات تهجير الفلسطينيين، واعتماد الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، وتوافق القادة على إنشاء صندوق ائتماني لتمويل إعادة إعمار قطاع غزة، وحثوا المجتمع الدولي على المشاركة فيه لتسريع هذه العملية.
وطرحت مصر خطة بقيمة 53 مليار دولار لإعادة بناء غزة على مدى 5 سنوات، تركّز على الإغاثة الطارئة وإعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية الطويلة المدى.
ولاقت الخطة العربية انتقادات أمريكية، اذ اعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي براين هيوز أن الخطة "تتجاهل واقع كونه مدمرا، ولا تعالج حقيقة مفادها أن غزة غير صالحة للسكن حاليا".
في حين وصفت وزارة خارجية الاحتلال -في بيان- الخطة بأنها "مغرقة في وجهات نظر عفا عليها الزمن" ورفضت الاعتماد على السلطة الفلسطينية وبقاء حماس في السلطة.
خطوات عملية
الكاتب والمحلل السياسي، خليل شاهين، رأى أن الخطة العربية لمواجهة مخططات التهجير في قطاع غزة لن تنجح ما لم تتحول إلى خطة عملية تترافق مع إجراءات فعلية لتطبيقها، موضحاً أن الخطة الحالية لا تزال غير جاهزة للتنفيذ، كونها مرتبطة بالتوصل إلى اتفاق أو على الأقل الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق وقف العدوان على غزة.
وأوضح شاهين في حديث لـ "فلسطين أون لاين" أن حكومة الاحتلال برئاسة بنيامين نتنياهو ترفض تماماً الانتقال إلى المرحلة الثانية، والتي تشمل إدخال المعدات الثقيلة لإزالة الأنقاض وبدء عملية إعادة الإعمار.
وأضاف: "حتى لو تم عقد مؤتمر دولي لتوفير التمويل اللازم، وهو أمر مهم، فإن الخطة ستظل مجمدة ما لم يُمارس ضغط حقيقي على (إسرائيل) لإلزامها بتنفيذ المراحل الثلاث لاتفاق وقف إطلاق النار".
وأشار إلى أن "المنطقة تبدو في سباق مع الزمن، بين التحركات العربية التي تحتاج إلى إجراءات عملية وضغوط مباشرة على (إسرائيل) والولايات المتحدة، وبين استمرار التهديدات الإسرائيلية بشن حرب إبادة أكثر تدميراً مما شهده القطاع خلال الأشهر الطويلة الماضية".
وعلى الصعيد الفلسطيني الداخلي، رأى شاهين أن هناك غيابا لأي توافق وطني بشأن الترتيبات المتعلقة بإدارة قطاع غزة، عادا أن اللجنة الإدارية التي طُرحت خلال القمة العربية لتولي إدارة القطاع خلال المرحلة الانتقالية تحت مظلة منظمة التحرير، لا تزال محل خلاف.
وأوضح أن رئيس السلطة محمود عباس يتمسك بأن تكون اللجنة تابعة للحكومة وبرئاسة وزير منها يُعيَّن نائباً لرئيس الوزراء، قائلاً: "دون توافق فلسطيني داخلي، لا أعتقد أن أي لجنة قادرة على إدارة غزة" منبها إلى أن "حركة حماس تبقى هي القوة الأكبر والأقدر على إدارة الشأن المدني والحفاظ على الأمن".
وبخصوص الموقف الأمريكي، رأى شاهين أن الدول العربية قادرة، إذا توفرت الإرادة السياسية، على دفع الولايات المتحدة لتبني الخطة المصرية، خاصة أنها تطرح بديلاً واقعياً برأي العديد من خبراء الإعمار، وخاصة أن هذه البديل يحظى بدعماً دولياً.
وأضاف: "إذا توفرت مواقف داعمة من الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والدول الإفريقية والعالم الإسلامي، فمن الممكن التأثير على الموقف الأمريكي، لأن المجتمع الدولي يبحث عن بدائل واقعية تحول دون تهجير سكان غزة".
وأشار إلى أن حكومة الاحتلال ترفض الخطة المصرية بطبيعة الحال، إذ إنها لم تقدم على تدمير القطاع من أجل إعادة إعماره، بل تواصل الدفع باتجاه تهجير سكانه، لافتًا إلى تصريحات وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلئيل سموتريتش، الذي أكد أن الحكومة تعتزم تنفيذ عملية عسكرية أكثر عنفاً وتدميراً بهدف التهجير، إلى جانب دعوات نتنياهو للإدارة الأمريكية لتبني الموقف الإسرائيلي في هذا الشأن.
وذهب شاهين إلى أن "المفتاح" في كل ما يجري يتمثل في إحداث تغيير بالموقف الأمريكي، وهو ما يتطلب تكثيف الضغوط لبناء موقف عربي – إسلامي – دولي موحد يفرض على واشنطن التراجع عن دعم مخططات التهجير، وعزل السياسات الإسرائيلية الرامية لاستئناف الحرب، مشيرًا إلى أن موقف إدارة ترامب سيشكل عاملاً حاسماً في الضغط على (إسرائيل) أو دعمها.
سد الفراغ
الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محسين، رأى أن المخرج الذي تبنته القمة العربية في بيانها الختامي بشأن إعادة إعمار قطاع غزة يتماشى مع احتياجات الشعب الفلسطيني، خصوصاً فيما يتعلق بمواجهة آثار العدوان الإسرائيلي الوحشي على القطاع، ومعالجة حجم الدمار الهائل والواقع الإنساني الكارثي الذي يعيشه السكان.
وقال محيسن لـ "فلسطين أون لاين" إن رفض الإدارة الأمريكية الخطة العربية يؤكد نواياها الخبيثة تجاه الشعب الفلسطيني، خاصة فيما يتعلق بمصير سكان غزة وضمان بقائهم على أرضهم"، مشيراً إلى أن الرفض الأمريكي يتقاطع تماماً مع أهداف الاحتلال الإسرائيلي في السعي للتخلص من الشعب الفلسطيني في غزة ومنع إعادة إعمار القطاع.
وشدد على أن هذا الواقع يتطلب إصراراً عربياً على التمسك بمخرجات القمة وخطة الإعمار، مع ضرورة تكثيف الجهود السياسية والثبات في مواجهة ضغوط وتهديدات وإغراءات الإدارة الأمريكية، مضيفاً أن "الخطة المصرية تحتاج أيضاً إلى موقف فلسطيني موحد يقطع الطريق أمام أي محاولات لتفكيك وحدة الشعب الفلسطيني أو تقويض تطلعاته نحو الحرية والاستقلال وبناء دولته".
وحول فرص تنفيذ الخطة في ظل الرفض الإسرائيلي، أوضح محسين أن "المخرج العربي يمثل خطوة أولى وجاء ليسد الفراغ الذي طالما تحدثت عنه الإدارة الأمريكية" بشأن "إدارة غزة"، مشيرًا إلى أن الخطة العربية جاءت لتقدم رؤية واضحة "لليوم التالي" للحرب على غزة، ولا يمكن للإدارة الأمريكية أو الاحتلال الإسرائيلي أن تناور أو تجاوز هذا الموقف العربي أو الالتفاف عليه.
وبيّن أن الموقف العربي بات واضحاً ومنسجماً مع مجمل المطالب الفلسطينية، بكل تقاطعاتها، سواء من جانب فصائل المقاومة، بما فيها حركة حماس، أو من السلطة، التي كانت حاضرة في القمة العربية وصادقت على مخرجاتها.
ووفق المحلل السياسي، فإن الدول العربية، إذا امتلكت الإرادة السياسية، قادرة على حشد دعم دولي واسع للخطة، وحصر الرفض في مربع الإدارة الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي فقط، مشدداً على ضرورة الإصرار والثبات للحفاظ على الموقف العربي الساعي إلى إنتاج حل سياسي مقبول لا تستطيع والولايات المتحدة معارضته بسهولة.
وحذر محيسن من أن التراجع عن هذا الموقف العربي قد يفتح الباب أمام موجة جديدة من الضغوط والهجمات الأمريكية والإسرائيلية، مما قد يعيد الأزمة إلى نقطة الصفر.