جاءت تحقيقات جيش الاحتلال في أحداث طوفان 7 أكتوبر 2023، لتقر نهائيًا بفشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية ووحداتها متعددة الأقسام والمهام في التنبؤ بالهجوم الذي شنته كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس ومعها فصائل المقاومة، في مشهد وصفه محللان بـ"الفشل الاستخباري الكبير لـ(إسرائيل)".
ووفقًا لما ورد في التحقيقات، فإن 1320 مستوطنًا وجنديًا إسرائيليًا قتلوا يوم الهجوم الذي سيطرت المقاومة خلاله على مواقع جيش الاحتلال المنتشرة حول غزة وعدد من المستوطنات أيضًا، بينهم 457 من الجيش، فيما استطاع عناصر المقاومة أسر 251 إلى داخل القطاع.
وقال الخبير في الشؤون العسكرية نضال أبو زيد: إن التحقيقات تأتي في وقت يرصد فيه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أي معطيات تتعلق بطوفان 7 أكتوبر، مشيرًا إلى أنها تعمق الأزمة السياسية في حكومته وتزيد من الأعباء والضغوطات المرتبطة بإخفاقات الجيش.
إخفاقات متعددة
وأكد أبو زيد لصحيفة "فلسطين"، أن التحقيقات أكدت إخفاق جيش الاحتلال استخباريًا وعملياتيًا وكذلك في مجال الرصد والتخطيط، وتجلت نتائج ذلك في طوفان 7 أكتوبر.
وأضاف أن التحقيقات أظهرت أيضًا أن جيش الاحتلال لم يتمكن من كشف خطط المقاومة بينما كانت الأخيرة تخطط لاقتحام السياج الأمني الفاصل بين غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1948، والمزود بأحدث الوسائل التكنولوجية العسكرية.
"كذلك أثبتت التحقيقات أن أول رد فعل إسرائيلي عسكري على هجمات المقاومة كان بحلول الساعة 12 ظهرًا، وذلك بعد سبع ساعات من دخول عناصرها إلى المستوطنات القريبة من غزة والسيطرة عليها"، بحسب أبو زيد.
وتابع: "جيش الاحتلال كان مرتبكًا بشكل كبير ولم يستطع القيام بردود فعل مباشرة، وقد أخفق في استراتيجية الاعتماد على التكنولوجيا أكثر من اعتماده على العنصر البشري".
وكان ذلك ناتجًا -والقول لأبو زيد- عن مشكلة كبيرة لدى الاحتلال في سلسلة اتخاذ القرار، بمعنى أن الجندي والضابط الصغير لم يكن لهما القرار بالقيام برد فعل سريع على ما يحدث في المستوطنات القريبة من غزة التي تمكن عناصر المقاومة من اجتياحها والسيطرة على عدد منها.
وأشار إلى استراتيجية عسكرية اعتمدها جيش الاحتلال في 2020، قائمة بالأساس على التكنولوجيا أكثر من العنصر البشري، بينما كشفت التحقيقات أن إخفاقات كبيرة نتجت عن هذه الاستراتيجية لوحدها بعدما تجاوزتها فصائل المقاومة وحققت إنجازات كبيرة.
ونبَّه إلى أن ذلك قد يدفع جيش الاحتلال إلى إحداث تبديل في الاعتماد على التكنولوجيا العسكرية أكثر من ذي قبل بسبب الفشل في صد طوفان 7 أكتوبر أو حتى التنبؤ به.
ورجح أن يلجأ جيش الاحتلال إلى الاعتماد على استراتيجية جديدة في عقيدته القتالية الدفاعية والهجومية، يدمج خلالها العنصر البشري بالعنصر التكنولوجي لمواجهة أي تهديد مستقبلي، وهذه الاستراتيجية ستعتمد أولًا مبدأ الدفاع ليس في العمق الإسرائيلي فحسب، بل الدفاع داخل أرض الخصم بهدف نقل المعركة إليها.
ولفت إلى أن طوفان 7 أكتوبر أثبت وجود إخفاق كبير في الاستخبارات الدفاعية لدى جيش الاحتلال، وإن كان يعد نفسه محترفًا في نظيرتها الهجومية، وهذا ما يبرر فشله الاستخباري في الوصول إلى مراكز القيادة والسيطرة في قطاع غزة، ونجاحه في جنوب لبنان بالوصول إلى قيادة حزب الله.
ضعف وترهل
من جهته، رأى الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق أن تحقيقات جيش الاحتلال تجسد تمامًا حالة الضعف والترهل التي كان يعاني منها قبل أحداث طوفان الأقصى.
وأضاف صادق لـ"فلسطين"، أن حالة جيش الاحتلال التي تزامنت مع هجوم 7 أكتوبر وما تبعه أيضًا، تعكس التباعد والانقسام الذي يعاني منه الجيش، وقد أثر ذلك بشكل واضح على إدارة مؤسسته العسكرية وفشله في تحقيق أهدافه خلال الحرب.
ولفت إلى أن جيش الاحتلال دفع ثمنًا كبيرًا بسبب إخفاقاته في هجوم 7 أكتوبر، وهذا يدلل بشكل واضح أن الهالة الأمنية التي حاول إحاطة نفسه بها لم تكن سوى خديعة انهارت مع بدء أحداث طوفان الأقصى.
ووفقًا لصادق أيضًا، فإن الاحتلال لم ينجح بالمطلق في قراءة الواقع الفلسطيني جيدًا، وكانت النتيجة الطبيعية لذلك سقوط مواقعه العسكرية ومستوطناته القريبة من غزة في أيدي المقاومة.
في المقابل، استطاعت المقاومة دراسة الثغرات المتعددة لدى الاحتلال ومنظومته الأمنية والعسكرية واستغلالها واختراقها يوم 7 أكتوبر، والقول لصادق، الذي أكد أن ذلك ترك آثارًا كارثية على الكيان بعدما فوجئ بهجوم المقاومة بكل ما لديها من قوة.