فلسطين أون لاين

​صيدلانيات "بنفسجيّات"

...
غزة - حنان مطير

كأنهنّ ورود البنفسج الأسترالية أو تلك التي تنبت في هاواي وأمريكا الجنوبية، اصطففنَ مُزيّناتٍ بـ"اللاب كوت" الأبيض وغطاء رأس بنفسجيّ، وفرحة قلوبهنّ تنعكس ابتسامةً عريضةً على شفاههنّ، بينما اصطفّ الشباب في المقّدمة صفاً منتظما كما سور البستان المتين أو سور الصين العظيم!

صورة تذكارية التقطتها خريجات قسم الصيدلية لأنفسهنّ في جامعة الأزهر بغزّة، لتبقى لهنّ أنيساً حين يمرّ الزمان ويشتعل الماضي في الوجدان.

قرّرنَ أن يكون يوم تخرجهنّ يوماً من العمر، حافلاً بالسعادة والحب بقدر ما كانت أوقاتهنّ حافلةً بالتعب والسهر طيلة خمس سنواتٍ.

زغرودةٌ عفويّةٌ أطلقتها الخريجات لتصدح في سماء الجامعة، ودموع فرحٍ انسكبت على الخدود الغزية المُوردة بفعلِ التركيز في آخر اختبار لهنّ وآخر يومٍ جامعيّ، لقد أسمينه(Fun Day) أي يوم الفرح.

المجد لأصحاب الخطر

"لا يمتطي المجد من لم يركب الخطر، ولا ينال العلا من قدم الحذر.." تلك الكلمات كانت بداية مشوار الخريجة "بدر البيومي" من سكان المنطقة الوسطى "النصيرات"، وأول العِبر التي ألقتها والدتها على قلبِها وعقلِها، لتسير سنواتها الخمس ترفعها شعاراً أمامها وتحتذي بها.

تقول لـ"فلسطين" وقد برق الفرح في عينيها: "الصيدلة كانت من أجمل التخصصات في جامعتي بالرغم من الصعوبات الكثيرة التي مررنا بها، وقلة إمكانات الجامعة لتطبيق ما نتعلّمه، لكنها كانت البيت الثاني حقيقة، حيث قضينا معظم يومنا فيها، محاضرات ومعامل وندوات ونشاطات مختلفة، وضحكات وهفوات وتوتر وغيره". وتضيف: "انطوت صفحة من صفحات الحياة، صفحة كان فيها الجد والاجتهاد رفيقاً على الدوام".

"إنه يوم لا ينسى بكل تفاصيله، فيما الموقف الأجمل على الإطلاق، ذلك الافطار الجماعي لدفعتي مع المحاضرين، روح جميلة ولمّة غير معهودة تحقّقت في آخر يوم لنكون أسرة واحدة".

وتتابع: " لقد جاء وقت الحصاد سريعاً، ودّعنا الدراسة والتعب وكذلك ضحكات الرفاق، رفعنا قبعات الاحترام لمعلّمينا الاوفياء، وها نحن اليوم نحمل بفضلهم بعد الله تعالى حلمنا ونمضي في سبيل تحقيقه".

هنا انتهى التّعب

أما الخريجة إسراء مطير فكانت أجمل لقطة في لقطات فرح التخرج هي تلك التي رأت فيها اسمها مخطوطاً على لوحة الخريجين، تعلق: "ما أجملها من لحظة، حين سلموني شعاراً كُتِب عليه الدكتورة الصيدلانية إسراء محمود، حينها نسيت كل تعب الخمس سنين".

نسيت إسراء الدراسة "الرومانسية" على أضواء الشموع، التي لا يعيشها إلا الغزيّ المُحاصَر والمغلوب على أمرِه بسبب انقطاع التيار الكهربائي، وكذلك نسيت التذمر من الحرّ الشديد بسبب عدم القدرة على تشغيل المراوح لضعف البطاريات، ونسيت الوقوف في طابور طويل بانتظار "تاكسي" يقلها للجامعة في ظل أزمة الوقود.

في ذلك اليوم تسلّلت كل أحداث الخمس سنوات لعقل إسراء، تروي: "صرت أنظر للقاعات ولمقعدي ولصديقاتي والدموع تغمر عينيّ، كنت كمن سيترك بيته، بالرغم من سيطرة شعور السعادة بالتحرر من الدراسة والتعب والالتزام بالمحاضرات والمعامل وغيرها".

"ورايا كووم دراسة.." تلك الجملة كانت من أكثر الجمل التي تردّدت على لسانها في سنوات دراستها، والتي ملّ منها أهلُها وباتت من أكثر الكلمات مقتاً لهم، وأياما كثيرة بكت فيها لشدة الضغط الدراسي، وأخرى كثيرة أهملت نفسها وأسرتَها.

تقول وقد تنفّست الصعداء: "أخبروني أن آخر عامٍ في الصيدلة هو أسهل أعوام دراستها، لكنها كانت من أصعبها على الإطلاق، ولذلك كان للتخرج نكهة لا توصف".

تخرّجت الصيدلانيات وطيّرن البالونات التي ميّزْنَها باللون البنفسجي أيضاً، ومعها طيّرن التّعب والسّهر، إنه يوم من أجمل أيام العمر، هو يوم الفرح حقاً ويوم المجد لبنت غزة.