فلسطين أون لاين

​"الفحص الأمني".. الجدار المانع بين مرضى غزة والعلاج بالخارج

...
مريضة تنتظر السماح لها بالسفر عبر أحد معابر القطاع (أرشيف)
غزة - عبد الرحمن الطهراوي

مع اقتراب موعد كل جرعة علاجية من "اليود المشع"، تجد الحاجة الستينية (ن. ق) نفسها أمام مسلسل متكرر من المعاناة، تتمثل بتأخر إصدار التصريح الخاص بمغادرة قطاع غزة، عبر معبر بيت حانون (إيرز) بحجة وجود اسمها في قائمة "الفحص الأمني".

وتشترط قوات الاحتلال على المواطنين الغزيين الراغبين بالسفر على معبر بيت حانون، شمال القطاع الخاضع للسيطرة الإسرائيلية الكاملة، التنسيق المسبق عبر مكاتب وزارة الشؤون المدنية، الأمر الذي يفاقم من معاناة المرضى نظرًا لدخول طلباتهم في دوامة غير منتهية من الفحص الأمني.

"لم يكن أمامي من خيار إلا الانتظار وتحمل الآلام لأيام أو أسابيع، بعدما جاء موعد سفري لتناول الجرعة الكيميائية في المستشفى الأهلي العربي مدينة الخليل بالضفة الغربية، دون أن أتمكن من مغادرة عتبة البيت"، تقول (ن. ق) التي رفضت الكشف عن اسمها لـ"فلسطين".

وأضافت: "قبل قرابة العامين بدأت برحلة العلاج من أورام الغدة الدرقية، متنقلة بين مستشفيات الضفة والداخل المحتل بسبب افتقار مستشفيات غزة للعلاج المطلوب (...) وفي بداية الرحلة كانت إجراءات السفر ميسرة وبعد ذلك راحت تتعقد وتدخل في دائرة المماطلة والتسويف غير الإنساني".

وكان من المفترض أن تحصل (ن. ق) على الجرعة العلاجية التاسعة من أصل 15 جرعة في منتصف الشهر الجاري أكتوبر/ تشرين الأول، إلا أن الاحتلال ربط خروجها بإجراء "فحص أمني" عليها وعلى من سيرافقها في رحلتها التي تستمر قرابة خمسة أيام.

ويعد "الفحص الأمني" وسيلة إسرائيلية لتضييق الخناق على سكان ومرضى القطاع الخاضع لحصار مشدد منذ قرابة العقد، وذلك تحت حجة التأكد أن الشخصية الراغبة بالسفر لا تشكل تهديدا على أمن الاحتلال دون أي اعتبار لوضعها الصحي وحاجتها للعلاج الفوري.

وتحدث الشاب محمود عبد الكريم عن تفاصيل معاناة شقيقته الكبرى "نور" في رحلتها علاجها بمستشفيات القدس المحتلة "مار يوسف" والمطلع"، والتي استمرت لثلاث سنوات متتالية قبل أن تنتهي بالوفاة.

وقال عبد الكريم لـ"فلسطين": "بعد أشهر من الإصابة تمكنا من إصدار تحويلة للخارج من النموذج الأول، وعندما حان موعد السفر بدأت فصول معاناة جديدة تتمثل بالفحص الأمني تارة وعدم خروج إذن السفر للمرافق تارة أخرى، وبالمقابل كانت تداعيات الإصابة بداء السرطان تزداد سوءًا".

ويتساءل عبد الكريم مستنكرًا: "ما الخطر الذي تشكله أم لثلاثة أطفال على دولة الاحتلال، حتى تحرم من أخذ أبسط حقوقها في العلاج؟ ولماذا يحرم القطاع من مركز طبي متخصص بالكشف الطبي لمرضى الأورام يمنع الاحتلال من ابتزاز المرضى على معبر بيت حانون؟".

وبين أنه في حال عدم حصول المصاب على الجرعة في وقتها المحدد سابقًا فإن الحالة الصحية للمرضية قد تتدهور بشكل سلبي ومتسارع، معبرًا عن أمله بتحرك أي جهة محلية أو دولية في القريب العاجل لإنهاء إجراءات الموت البطيء تحت أكذوبة "الفحص الأمني".

معاناة متفاقمة

بدوره، وصف الناطق باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، إجراءات الاحتلال الإسرائيلي المرتبطة بالفحص الأمني بـ"الأفعال العنصرية" المخالفة لكل القوانين الإنسانية تحت حجة أمنية واهية.

وقال القدرة لـ"فلسطين": إن "قرابة الـ 55 بالمائة من المرضى ممنوعون من الوصول إلى مستشفيات الداخل أو الضفة بسبب إجراءات الاحتلال رغم حصولهم السابق على التحويلات العلاجية المطلوبة، الأمر الذي تسبب بوفاة العديد من الحالات داخل قطاع غزة".

وأشار إلى أن تداعيات الفحص الأمني تطال جميع المرضى الصغار والكبار بل ربما تصل إلى حديثي الولادة، وذلك في حال منع الاحتلال سفر الشخصية المرافقة للرضيع المصاب بتشوهات خلقية.

ودعا القدرة المؤسسات الحقوقية ومنظمة الصحة العالمية بجانب اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالضغط على الاحتلال لرفع القيود المفروضة على تنقل المرضى، وإلزامه باحترام مبادئ القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة.