رغم أنه أمضى أكثر من ثلثي مدة حكمه خلف قضبان الاحتلال "الإسرائيلي"، إلا أن الفترة المتبقية كانت، بالنسبة له، الأطول، إذ بات يحسب الشهور والأيام والساعات التي تفصله عن موعد الحرية. لكن صفقة طوفان الأحرار جاءت لتنتشله من بين تلك الحسابات، ليعانق الحرية في موعد أقرب مما كان يتوقع، دون أن يكمل محكوميته.
الأسير المحرر خالد مصطفى خندقجي، البالغ من العمر 33 عامًا، ينحدر من إحدى القرى التابعة لمدينة طولكرم.
في مثل هذا الشهر من عام 2018، وفي ساعة متأخرة من الليل، كما هي عادة الاحتلال، اقتحم جنود الاحتلال منزله، مدججين بالأسلحة، وفتشوا الغرف بحثًا عنه، قبل أن يعتقلوه من وسط عائلته دون السماح له بتوديعهم أو حتى إلقاء السلام عليهم.
يقول لـ "فلسطين أون لاين": "منذ ذلك اليوم، بدأتُ فصلًا جديدًا من المعاناة، خاصة عندما يُعتقل المرء دون أن يعلم شيئًا عن الذنب الذي اقترفه أو التهمة التي ستُوجَّه إليه".
في الفترة الأولى من الاعتقال، التي قضاها بين أقبية التحقيق، كان مجبرًا على مواجهة محققين قساة، والتعرض لمعاملة غير إنسانية، في محاولة لانتزاع أي اعتراف منه وإثبات أي تهمة ضده. ويضيف: "استخدم المحققون شتى أنواع الأساليب خلال التحقيق، وأمضيت ما يقارب ثلاثين شهرًا دون أن أعرف مصيري أو مدة محكوميتي، متنقلًا بين محكمة وأخرى، ومن تأجيل إلى تأجيل، إلى أن صدر الحكم بحقي بالسجن مدة ثماني سنوات ونصف، عبر صفقة محكمة".
وُجِّهت إليه تهمة العمل ضد الأمن الإسرائيلي، وقضى منها سبع سنوات، قبل أن يتم الإفراج عنه في صفقة طوفان الأحرار ضمن الدفعة الخامسة.
لكن ما زاد من وجعه أن الأسر حرمه من بناء نفسه وهو في ريعان شبابه. فعند اعتقاله، لم يكن قد تجاوز الـ 26 عامًا، وكان حينها يعمل بجدٍّ، يوصل الليل بالنهار، من أجل تجهيز شقته الخاصة والاستعداد للزواج، إذ كان يرى نفسه في العمر المناسب لتأسيس أسرة. غير أن الأسر أخر تحقيق أحلامه.
ويتابع حديثه: "عدا عن المناسبات العائلية التي حُرمت من مشاركتها، فقد فاتني زفاف شقيقي الأصغر، ولم أشهد ولادة أبناء أشقائي وشقيقاتي، ولم أتمكن من تهنئة والديَّ بأداء مناسك العمرة أو حتى توديعهما قبل سفرهما، كما لم أكن بجوار جدتي عند وفاتها".
ويصمت لثوانٍ، ثم يكمل: "الحمد لله أن هذه أصبحت ذكريات في الماضي، رغم أن قلبي موجوع على من تركتهم خلفي، كانوا إخوة لي في الأسر".
ومع ذلك، لم يدَع خندقجي سنوات الأسر تذهب هباءً، فقد التحق بجامعة القدس المفتوحة، ودرس تخصص التربية الإسلامية، وأنهى ثلاث سنوات من الدراسة قبل أن تتوقف بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.
ويشير إلى أنه، منذ بدء الحديث عن الصفقة، كان لدى الأسرى سقف توقعات عالٍ، إذ كانوا يأملون أن تشمل الصفقة الجميع، لكن مع مرور الوقت، بدأت آمالهم تتراجع تدريجيًا. ومع ذلك، ظلوا يترقبون أن تشمل الأسرى ذوي الأحكام العالية، والمؤبدات، والمرضى.
ويضيف: "يسعى الاحتلال جاهدًا لحرمان الأسير من أي لحظة فرح، فلا يسمح له بمعرفة ما إذا كانت الصفقة ستشمله أم لا. لكن منذ يوم الثلاثاء وحتى صباح السبت، شعرت أن هناك إجراءات غير روتينية تُتخذ بحقي، فبدأ الأمل يتسلل إلى قلبي".
ويتابع: "ورغم ذلك، كنت أخشى أن أفرح، خوفًا من أن يكون هناك غدر في اللحظات الأخيرة. لكن عندما صعدت إلى الحافلات المخصصة لنقل الأسرى المفرج عنهم، ورأيت الجماهير في استقبالي، عندها فقط شعرت أنني وُلدت من جديد، وكأنني غُمرت في الجنة، ولم أعش شقاءً قط".
أما عن لقائه بعائلته وأحبائه، فقد كان يومًا طال انتظاره، إذ كان يتوق لاحتضان والده ووالدته. ويختتم حديثه بتوجيه رسالة امتنان لمن ضحوا في سبيل تحريره، قائلًا: "إلى أهل الضفة والقدس، وبالأخص أهل غزة، الذين دفعوا الغالي والنفيس من أجل هذا اليوم، كل الاحترام والتقدير لكم، صغارًا وكبارًا، والرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى".

