فلسطين أون لاين

بعد وقف إطلاق النار ..

تقرير "استحقاقات ثقيلة" تنتظر المؤسَّسات الأمميَّة والدَّوليَّة لإنقاذ غزَّة من "حرب الإبادة"

...
"استحقاقات ثقيلة" تنتظر المؤسَّسات الأمميَّة والدَّوليَّة لإنقاذ غزَّة من "حرب الإبادة"
غزة/ محمد عيد:

الشوا: مستلزمات الإيواء وأعداد الشاحنات الحالية لا تعكس حجم الكارثة

النبيه: دون إسناد المؤسسات العاملة في غزة ستتعمق أزمات البلديات والمواطنين

الدقران: المؤسسات الصحية أمام اختبار لإنقاذ المنظومة في غزة والنهوض بها مجددًا

كشفت الأيام التالية لاتفاق وقف إطلاق النار في مرحلته الأولى لمدة 42 يوما، الواقع المأساوي والكارثة الإنسانية التي تسود قطاع غزة بعد حرب إبادة إسرائيلية لنحو 471 يوما. 

ورغم سريان اتفاق وقف إطلاق النار منذ 19 يناير الماضي، والذي شمل أحد بنوده بدخول 600 شاحنة يوميا لغزة؛ لتحسين الأوضاع الحياتية والإنسانية إلا أن الواقع على الأرض يبدو مختلفا ويشير إلى مدى الكارثة الكبيرة التي عصفت بمختلف القطاعات الحيوية.

وهنا برزت الحاجة الملحة وتعالت أصوات الناجين من "حرب الإبادة" بتسريع تلبية حاجياتهم الإنسانية والإغاثية الطارئة، الأمر الذي دفع المؤسسات الرسمية لإعلاء صوتها مجددا للمؤسسات الأممية والدولية للضغط على سلطات الاحتلال من أجل الالتزام ببنود الاتفاق وزيادة أعداد شاحنات المساعدات.

"تنصل إسرائيلي"

وبحسب مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية أمجد الشوا، فإن سلطات الاحتلال تتنصل من بنود اتفاق وقف إطلاق النار "الشق الإنساني".

وذكر الشوا لصحيفة "فلسطين" أن قيمة المساعدات التي دخلت غزة منذ سريان الاتفاق بالكاد تكفي 30-40 % لسكان مدينة غزة وشمالها.

ويتضمن الاتفاق دخول 600 شاحنة من المساعدات الإنسانية يوميا إلى القطاع، منها 300 شاحنة إلى الشمال، إلا أن سلطات الاحتلال تماطل في تنفيذ هذا الجانب مما يؤدي إلى استمرار نقص المواد الأساسية الحياتية والإغاثية العاجلة.

ودلل على حديثه بعدد الشاحنات التي كانت تدخل غزة قبل الحرب وعددها آنذاك من 600- 700 شاحنة يوما، متسائلا: "ماذا تكفي هذه الشاحنات بعد حرب إبادة جماعية؟".

وأكد أن مستلزمات الإيواء الطارئة والخيام والأغطية المتوفرة حاليا لا تلبى حجم الكارثة الإنسانية، كما لا تعكس أعداد الشاحنات اليومية حجم الحاجة للحياة اليومية الغزية.

وأوضح أن هناك مشكلات وأزمات كبرى تواجه السكان النازحين الذين عادوا لمنازلهم وأحياءهم السكنية المدمرة؛ بفعل آلة العدوان الإسرائيلية.

واستعرض بعض هذه الأزمات: التلوث البيئي، نقص الطعام والمياه والمياه الصالحة للشرب، ومنع الاحتلال ترحيل النفايات من داخل المدن إلى خارجها، وعدم السماح لفرق أجنبية للتعامل مع المخلفات العسكرية غير المنفجرة.

وفي حال تجاهل المنظمات الأممية والدولية للواقع الإنساني في غزة، أكد الشوا: "نحن أمام مشهد خطير في ظل الأزمات العالقة والكوارث القائمة"، مشددا على دور تلك المؤسسات لإنقاذ غزة من "الكارثة الخطيرة".

"تعميق الأزمات"

ومع عودة السكان إلى منازلهم وأحياءهم السكنية المدمرة، يعيش هؤلاء في مناطق دمرت فيها شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي، الأمر الذي يجعل الجفاف وانتشار الأمراض بسبب الظروف الصحية السيئة والرعاية الطبية المحدودة تهديداً.

ووفقا للمتحدث باسم بلدية غزة م. عاصم النبيه فإن حرب الإبادة الإسرائيلية تسببت بأضرار جسيمة في البنية التحتية والمرافق الحيوية في مختلف أنحاء القطاع.

وذكر النبيه لـ"فلسطين" أن عودة النازحين للمدينة وشمالها ضاعف الطلب على الخدمات الحياتية علما أن إمدادات المياه لا تصل لأكثر من 60 % من أحياء ومناطق المدينة.

وتطرق لجوانب أخرى للكارثة الإنسانية متمثلة بتراكم أكثر من ١٧٠ ألف طن من النفايات داخل أنحاء المدينة، ولا يسمح جيش الاحتلال للطواقم المحلية بإخراجها للمناطق المحددة ما يشكل تهديدا بيئيا وصحيا خطيرا.

ورغم جهود الطواقم المحلية في بلدية غزة وغيرها، إلا أن حجم الأضرار يفوق الإمكانيات المتاحة، الأمر الذي دفع المتحدث باسم البلدية لإطلاق مناشدة عاجلة للمؤسسات الأممية والدولية بضرورة تخفيف المعاناة اليومية لسكان القطاع.

واستعرض سلسلة من متطلبات البلديات المحلية آملا من تلك المؤسسات تلبيتها بأسرع وقته، أبرزها: إدخال الآليات الثقيلة والمعدات الثقيلة والمتوسطة، معدات الصيانة، إمدادات الوقود، الطاقة البديلة ولوازمها، براميل المياه، قطع الغيار، مستلزمات شبكات المياه والصرف الصحي، مولدات كهربائية لتشغيل آبار المياه، إدخال مواد البناء لإجراء أعمال صيانة للمرافق المتضررة جزئيا.

وأكد النبيه أن بلدية غزة تواصلت مع المؤسسات الأممية والدولية العاملة في غزة، وأطلعتها على الاحتياجات التفصيلية للبلديات.

وقال: "كان هناك وعود من قبل هذه المؤسسات.. لكن حتى هذه اللحظة لا يوجد أي شي"، متمنيا ترجمة هذه الوعود قريبا.

وأجزم النبيه أنه من دون إسناد تلك المؤسسات لعمل البلديات المحلية، لن تكون قادرة على تلبية احتياجات المواطنين ولا التخفيف من معاناتهم اليومية والمعيشية.

وسبق أن اتهمت حركة حماس، الاحتلال، بأنه "يعطل البروتوكول الإنساني في اتفاق وقف إطلاق النار ويراوغ ويماطل في تنفيذه".

وشددت حماس، في عدة تصريحات، خلال الأيام الأخيرة، على أن "إعادة بناء المستشفيات وإصلاح الطرق وآبار المياه تعيد الحياة في غزة بعد الدمار الهائل فيها".

"إغاثة عاجلة"

ولم يسلم القطاع الصحي من دائرة الاستهداف الإسرائيلي المباشر، فدمر جيش الاحتلال

34 مستشفى من أصل 38، منها حكومية وأهلية، تاركة 4 مستشفيات فقط تعمل بقدرة محدودة رغم تضررها، وسط نقص حاد بالأدوية والمعدات الطبية، بحسب آخر إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة.

وأخرجت الغارات الإسرائيلية 80 مركزا صحيا عن الخدمة بشكل كامل إلى جانب تدمير 162 مؤسسة طبية، وتدمير 136 سيارة إسعاف.

وبحسب المسؤول الإعلامي في وزارة الصحة خليل الدقران فإن القطاع الصحي في غزة "شهد إبادة" غير مسبوقة في العصر الزمني الحديث.

وأشار الدقران لـ"فلسطين" إلى قيام الطواقم الطبية المحلية بكل ما بوسعها للقيام بالحد الأدنى تجاه الجرحى والمرضى ومكافحة الأوبئة والأمراض المعدية خلال شهور الحرب الطويلة.

وقال: "حاليا، لا يعقل أن يبقى القطاع الصحي على هذا الدمار وهذا الانهيار"، مشددا على ضرورة قيام المؤسسات الأممية والدولية بواجباتها والتزاماتها تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.

واستعرض سلسلة من الاحتياجات الطبية العاجلة، ومنها: إعادة بناء المستشفيات والمراكز الطبية، إدخال الأجهزة المتعددة والأسرة الطبية، المولدات الكهربائية، الوقود، الطاقة البديلة، السماح للوفود الطبية بالدخول إلى غزة، بناء مستشفيات ميدانية، إدخال الأدوية والمعدات الطبية.

وأضاف أن ما يدخل لوزارة الصحة منذ سريان اتفاق وقف إطلاق النار، غير كاف ولا يتناسب مع حجم الكارثة التي تعرضت لها المنظومة الصحية في غزة.

وعوضا عن ذلك، هناك 25 ألف مريض وجريح بحاجة للعلاج في الخارج، وهؤلاء بحالة عاجلة للسفر عبر معبر رفح البري.

وطالب المسؤول الحكومي المؤسسات الأممية والصحية بضرورة الضغط على سلطات الاحتلال لتسريع عملية إعادة القطاع الصحي للعمل مجددا.

ودفع التجاهل الأممي والدولي للمنظومة الصحية، المكتب الإعلامي الحكومي للتعبير عن استنكاره الشديد لقيام بعض الهيئات التابعة للأمم المتحدة في غزة بتكديس آلاف اللترات من الوقود في مخازنها، في وقت تعاني فيه المستشفيات والمؤسسات الإنسانية – لا سيما في شمال القطاع – من شحّ حاد يهدد حياة المرضى والمصابين.

وأكد الإعلام الحكومي أن هذا السلوك غير المبرر يتناقض مع الواجب الإنساني والأخلاقي، ويمثل تقاعسًا خطيرًا عن أداء الدور المنوط بهذه الهيئات في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة.