غزة/ علي البطة
حذّرت خبيرة بيئية من كوارث صحية وبيئية تهدد ملايين السكان في غزة ومحيطها جراء المخلفات الهائلة لحرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع، محملة في الوقت نفسه المؤسسات الأممية المسؤولية عن احتمال خروج الأمور عن السيطرة، من جراء تقاعسها عن القيام بمسؤولياتها في معالجة الآثار الناجمة عن العدوان.
وقالت الدكتورة كفاية أبو الهدى أستاذة البيئة في جامعة القدس المفتوحة بنابلس: إذا لم تتخذ المؤسسات الأممية والدول ذات العلاقة إجراءات فورية لمعالجة مخلفات الحرب في غزة فإن الوضع سيتفاقم وسيزداد سوءا على المديين القصير والطويل، وسيمتد من غزة إلى المناطق المحيطة بها.
مشكلة بيئية خطِيرة
وبينت أبو الهدى أن عشرات ملايين الأطنان من مخلفات الردم من المباني والمنشآت، وملايين أطنان الذخائر والمتفجرات، سيخلق مشكلة بيئية خطِيرة تتمثل في كيفية التخلص منها.
وأوضحت الخبيرة البيئية في حوار مع "فلسطين أون لاين"، أن الذخائر التي ألقيت على غزة أدت إلى تلوّث الهواء والتربة والمياه السطحية والجوفية ومياه الأودية والبحر، نتيجة للتسرب الناجم عن تدمير شبكة الصرف الصحي، إضافة إلى مخاطر ارتفاع ملوحة المياه الجوفية نتيجة اختلاطها بماء البحر.
وأشارت إلى تلوث الأرض والتربة بالمعادن الثقيلة السامة والمواد الكيماوية والمتفجرات، منبهة إلى الضرر الواسع الذي أصاب التربة والمناطق الزراعية من مياه الصرف الصحي، والنفايات الصلبة والطبية، ومن ملايين الأطنان من الذخائر والأسلحة التي قصفت بها، وشق طرقات لأليات جيش الاحتلال الإسرائيلي عبر الحقول الزراعية، كل هذا دمر الأراضي الزراعية وسيؤثر على إنتاجيتها الزراعية لزمن.
وقالت أبو الهدى: إن جميع هذه المشاكل ستشكل تهديدات فورية وطويلة الأجل لصحة سكان القطاع، والحياة البحرية والبرية، والأراضي الصالحة للزراعة، وجودة الهواء والماء.
الذخائر غير المنفجرة
وذكرت أن الذخائر غير المنفجرة في المناطق المكتظة بالسكان في غزة، تحتوي على المعادن الثقيلة، والمواد الكيميائية المتفجرة، وهذا يعمل على تلويث التربة ومصادر المياه.
وأشارت إلى أن هذا النوع من المخلفات خطر يهدد الأمن والبيئة والصحة العامة، وخطر على أرواح السكان خاصة الأطفال خوفًا من تفجرها المفاجئ.
ولا توجد أرقام دقيقة عن كمية الأسلحة والذخائر التي استخدمها الاحتلال في القطاع خلال ٤٧١ يومًا من حرب الإبادة، لكن تقارير تفيد بأن الاحتلال استخدم أربعة أنواع من الذخائر المحرمة دولياً، الفوسفورية، الانشطارية، الفراغية، اليورانيوم المنضب.
وتساءلت عن طرق التخلص من 330 ألف طن من النفايات، في ظل تعطل محطات معالجة النفايات الصلبة في غزة ووسائل نقل النفايات، ومنها نفايات الردم، والتي تتراوح من 40-50 مليون طن.
آثار فورية وطويلة الأجل
وعددت الآثار قصيرة المدى الناجمة عن الأسلحة المستخدمة في الحرب على تلوث الهواء والماء والتربة والتنوع الحيوي.
وأكدت أن تلوث الهواء ينتج عن تصاعد كميات هائلة من الغازات السامة، والجسيمات الدقيقة، نتيجة القصف والتفجيرات. وكذلك الدخان الناتج عن حرق المباني والبنى التحتية، علاوة على إشعال المواطنين النار باستخدام البلاستيك والورق والخشب بكثرة إثر انقطاع غاز الطهي.
وأشارت إلى ازدياد انتشار الأمراض، خاصة الصدرية والجهاز التنفسي، جراء سموم المتفجرات، إضافة إلى تعرض النساء والأطفال للمخاطر الصحية من دخان نيران الأفران والمواقد اليدوية، إضافة إلى الغبار الناجم عن الردم والأنقاض يسبب حساسية والتهاب رئوي خاصة بين الأطفال وكبار السن.
وفيما يتعلق بتلوث المياه، قالت: إن استهداف البنية التحتية وتدميرها، من شبكات الصرف الصحي، وشبكات المياه ومحطات تحلية المياه، أدى إلى تسرب مياه الصرف الصحي إلى المياه السطحية والجوفية واختلاطها بمياه الشرب، ما زاد من انتشار الأوبئة بين المواطنين.
وأشارت إلى مخاطر تسرب المواد الكيماوية لمصادر المياه الجوفية، خاصة المعادن الثقيلة (السامة)، والرصاص، واليورانيوم المنضب الناتجة عن الذخائر.
وتتجاوز كمية المياه العادمة والصرف الصحي سنويًّا في قطاع غزة 80 مليون متر مكعب، كانت تجمع من خلال شبكات الصرف الصحي لتصل إلى محطات المعالجة الستة المنتشرة في محافظات غزة، وقد عانت هذه المحطات من قصور في عملها بسبب توقف الكهرباء ومنع أجهزة الصيانة اللازمة.
ووفق التقييم الأولي للأمم المتحدة فإن أنظمة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية معطلة بالكامل تقريبًا، حيث أُغلِقت محطات معالجة مياه الصرف الصحي وتوقفت عن العمل، لذا يتم التخلص من 120 ألف متر مكعب يوميًّا في الشوارع، والحفر الامتصاصية، وفي وادي غزة، وفي البحر، فلوثت الشواطئ والمياه الساحلية والجوفية والتربة والمياه العذبة بمجموعة من مسببات الأمراض والجزيئات الغذائية والبلاستيك الدقيق والمواد الكيميائية الخطرة، عدا عن الروائح الكريهة، وانتشار الحشرات الضارة والقوارض.
وبخصوص تلوث التربة، بينت أبو الهدى أن سقوط وتراكم الحطام والركام الملوث بالمواد الكيماوية والأسلحة على التربة، يغيّر من خصائصها ويؤثر على الزراعة.
وقالت الخبيرة البيئية، إن المكاره الصحية المنتشرة في كل مكان، من النفايات والصرف الصحي وركام الأبنية يؤدي إلى تلوث بصري، وبدوره يسبب الضيق والانزعاج والتعب النفسي لدى المواطنين. مشيرة كذلك إلى أن التلوث الضوضائي بسبب التحليق المتواصل لطائرات الاحتلال، خاصة طائرات الاستطلاع التي تسبب إزعاجًا وتوترًا للسكان.
طويلة الأجل.. تهديد حقيقي
وذكرت أبو الهدى أن التأثيرات السلبية طويلة المدى تستمر طويلًا بعد انتهاء الحرب، وتؤثر على الصحة العامة وزيادة الأمراض المزمنة وارتفاع معدلات السرطانات، وأمراض الكلى، والعيوب الخلقية من جراء التلوث بالمعادن الثقيلة (السامة)، وتؤدي كذلك لانتشار الأمراض المنقولة بالمياه الملوثة مثل التيفوئيد والكوليرا.
وأشارت إلى أن تلوث التربة بالمواد السامة المختلطة بالأنقاض والردم، خاصة ما يحتويه من مواد كيماوية وذخائر غير متفجرة، تحتوي على المعادن الثقيلة (السامة) والمواد المسرطنة، ما يعمل على تدهور خصوبة التربة وتسمم المحاصيل الزراعية.
وتابعت، التربة تتدهور أيضًا بسبب النفايات الصلبة والخطرة وخاصة الطبية المتناثرة دون معالجة، ومياه الصرف الصحي المنتشرة في الشوارع والطرق والحفر الامتصاصية، والتي تؤدي إلى ارتفاع معدلات النتريت، والنترات في التربة، ويمكن أن يكون لها تأثيرات بيئية خطيرة.
وأوضحت أن تراكم النترات في التربة قد يؤدي إلى تسمم النبات، ما يقل إنتاجية المحاصيل الزراعية وانتقال المواد السامة لها، كما أن بعض النباتات تمتص النترات بتركيزات عالية ما يجعلها غير آمنة للاستهلال البشري.
وأردفت، كما أن زيادة النتريت في التربة قد يؤدي إلى تعطيل التوازن البيولوجي في التربة، ما يقلل من البكتيريا المفيدة التي تلعب دوراً في تثبيت النيتروجين وتحليل المواد العضوية.
وحذرت من التغيرات المناخية المحلية، نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بسبب فقدان الغطاء النباتي وتدمير المساحات الخضراء، واحتباس الجسيمات الدقيقة والغبار في الجو. مشيرة إلى أن فقدان الغطاء النباتي، يقلص قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه، ما قد يؤدي إلى التصحر، وتصبح التربة أكثر قدرة على التعرية وهذا يفاقم من مشكلة تحقيق الأمن الغذائي.
النفايات الصلبة
وحذرت أبو الهدى من تفاقم الخطر الناجم عن النفايات، منها الطبية الممزوجة بالنفايات الصلبة. منوهة إلى ازدياد مخاطرها نتيجة عدم التمكن من معالجتها بفعل تدمير وحدات المعالجة، فيتم إلقاء هذه النفايات الخطِرة مع النفايات الصلبة المنزلية، في مكان واحد، ما يُفاقم المشكلة ويزيد مخاطرها.
وتطرقت إلى مخاطر النفايات الصناعية والكيماوية، والأسلحة والمتفجرات، خاصة مع استخدام الاحتلال الكثير من الأسلحة المحرمة دوليًّا ضد المدنيين، مثل الفسفور الأبيض، واليورانيوم وغيرها.
وشددت الخبيرة البيئية من خطورة حطام المباني المدمرة لتشبعها بكميات هائلة من الخرسانة الملوثة والمعادن الثقيلة، والمواد البلاستيكية، من بينها التسمم بمادة الأسبستوس، وهي غبار ضار ومادة خطرة على صحة البشر وملوثة للهواء.
وأكملت، إنها تسبب ضيقًا في التنفس والتليف الرئوي، كما تؤدي إلى عدة أنواع من السرطان كسرطان الرئة والحنجرة والمبايض، ومادة الأسبستوس تتسبب بخطر تلوث طويل المدى.
وقدرت الأمم المتحدة أن ثلثي مباني غزة قد دمرت، وهناك 42-50 مليون طن من نفايات الردم والركام من أنقاض الحرب، ما يعادل 107 كيلوغرامات من الأنقاض لكل متر مربع في غزة، حسب تقديرات الأمم المتحدة. في حين قدرت مصادر محلية حجم الأنقاض بحوالي 300 كيلو جرام لكل متر مربع، تحتاج إلى 15 عامًا لإزالتها، وهذا يخلق تحدٍّ كبير في إعادة البناء.
توصيات وحلول
وحول اقتراحات التخلص من كميات الأنقاض، عبر الردم في البحر، تقول أبو الهدى: قد يكون حلًا سريعًا للأنقاض، لكنه يحمل في طياته الكثير من المخاطر البيئية على المدى الطويل، من تلوث المياه، بسبب ما تحتويه مخلفات الردم من الحديد والأسمنت والدهانات والزجاج والبلاستيك، والتي تؤدي إلى تسمم الحياة البحرية، وانتقال الملوثات إلى سلسلة الغذاء.
كما تعمل على تدمير النظام البيئي البحري الذي يغير من التوازن الطبيعي للشعاب المرجانية والأنواع البحرية، ما يؤثر على صيد الأسماك.
وأضافت، تزيد المواد الخطرة كالأسبستوس (هي مجموعة من المعادن الليفية الطبيعية تستخدم في مواد البناء والعزل بسبب مقاومتها للحرارة والتآكل) والمواد الكيماوية المسرطنة من مخاطر التلوث والتسمم البيئي، وكذاك تدمير النظام البيئي البحري يمكن أن يغير التوازي الطبيعي للشعاب المرجانية والثروة السمكية، والتي تعتبر مصدرًا مهمًا للغذاء لسكان القطاع.
ومن الحلول المناسبة للتخلص من مخلفات الردم بطريقة مستدامة وآمنة: إعادة تدوير الأنقاض، لكنها توصي قبل الشروع في ذلك بفرز الأنقاض، بتحديد المواد القابلة للتدوير والمواد الخطرة، فالحديد والمعادن تُصهر لإعادة الاستخدام، والخرسانة والطوب (لإعادة التدوير)، والخشب والبلاستيك (لإعادة الاستخدام) أو التخلص الآمن من المواد الخطرة مثل الأسبستوس والمواد الكيماوية والذخائر غير المتفجرة.
وبينت أن ذلك يتم بواسطة آلات تفرز ميكانيكيًّا، كذلك توظيف فرق محلية مدربة على الفرز، مع ضرورة الاستعانة بالخبراء الدوليين في التعامل مع المخلفات الخطرة والذخائر غير المتفجرة.
وأشارت إلى إمكانية إعادة تدوير الأسفلت والخرسانة والطوب بدلًا من التخلص منها، وذلك بسحق الخرسانة والطوب وتحويلها إلى حصى لرصف الشوارع، وترميم البنية التحتية، كذلك استخدامها في ردم الحُفر وإنشاء الأساسات، وتحويل الأنقاض إلى كتل بناء محلية باستخدام مكابس الطوب المعاد تدويره، ويمكن إنتاج طوب جديد من المواد المعاد تدويرها، ما يقلص الحاجة لاستخدام مواد جديدة، ويمكن استخدام الردم لبناء حواجز للأمواج إذا تم معالجتها بعناية وتقوية السواحل بدون تلويث للبحر.
وقالت أبو الهدى: إن التخلص الآمن من المخلفات الخطرة، والتي تشمل الأسبستوس، والدهانات السامة، والوقود، والذخائر غير المتفجرة، يتطلب فحص الأنقاض بعناية للكشف عن هذه المواد الخطرة، والاستعانة بخبراء المتفجرات لإزالة الذخائر غير المتفجرة.
ودعت إلى أن تكون إدارة مخلفات الردم جزءاً أساسياً من عملية إعادة الإعمار، وإعادة التدوير والاستفادة من الأنقاض ما يساهم في خفض التكاليف، والحفاظ على البيئة، وتسريع عملية إعادة الإعمار بطريقة مستدامة، وهذا يتطلب تنسيقًا محليًّا ودوليًّا لضمان التنفيذ بشكل فعّال وآمن.
تعبر أبو الهدى عن خشيتها من اصطدام تلك الحلول بالاشتراطات السياسية من الكيانات الفاعلة دوليًّا، لذا فإنها لا تعفيها من المسؤولية، وتحثها على إجراء الفحوصات اللازمة لتعقب أضرار المخلفات، والعمل على معالجتها، خشية انعكاساتها الخطرة على المواطنين.
مخاوف وتحذيرات
وتبدي الخبيرة البيئية مخاوفها من تقاعس المجتمع الدولي عن التدخل الجاد والفاعل لتخليص غزة من المخلفات الخطيرة، والعمل على إزالتها بطرق آمنة، وتجنيب الفلسطينيين تداعياتها الكارثية.
وتشدد على ضرورة قيام المؤسسات الدولية العاملة في الأرضي الفلسطينية بواجباتها المرتبطة بمعالجة مخاطر التلوث الناتجة عن الحرب، وعدم الاكتفاء بالجانب الإغاثي فقط.
وطالبت المؤسسات الدولية والدول ذات العلاقة باتخاذ إجراءات سريعة للتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية لمعالجة الكوارث البيئية سريعًا، لتقليص المخاطر التي تهدد ملايين السكان في غزة والضفة الغربية ودول المنطقة.
المصدر / فلسطين اون لاين