هرع أبو نائل بهلول مسرعًا عندما دخل اتفاق التهدئة حيز التنفيذ صباح الأحد الماضي، لتفقّد منزله الواقع في حي الجنينة شرقي رفح جنوب قطاع غزة. وصل بهلول سيرًا على الأقدام تارةً، وتارةً أخرى على عربة كارو يجرها حمار.
عندما وصل أخيرًا إلى منزله، انهمرت دموع الفرح؛ إذ ما يزال منزله قائمًا، رغم بعض الشظايا والقذائف التي اخترقت بعض الجدران، لكنه لا يزال صالحًا للسكن.
دهش بهلول من هول الدمار الذي عمّ أحياء رفح جميعها، فمن النادر أن تجد بيتًا لم يصبه الهدم. كان من القلائل المحظوظين الذين بقيت منازلهم صالحة للسكن.
في اليوم التالي للهدنة، انطلق بهلول نحو منزله حاملًا معه العُدّة التي أخذها معه عند نزوحه نحو مواصي خان يونس. بدأ بإزالة الركام من داخل منزله وحوله، وأصلح بعض الجدران، وغطاها بالنايلون، استعدادًا لعودة عائلته للاستقرار فيه بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، الذي اجتاح رفح في مايو/أيار من العام 2024.
تستعد زوجة بهلول وابنتاه ونجلاه مع عائلتيهما للعودة إلى المنزل. يقول لـ "فلسطين أون لاين": "لا أستطيع وصف مشاعري برؤية منزلي بعد هذه الإبادة التي لم يشهد مثلها التاريخ الحديث. المدينة عبارة عن أكوام من الحجارة".
ويضيف: "نواجه صعوبات جمّة بسبب تدمير البنية التحتية، مثل شبكات المياه والصرف الصحي، لكن سأتدبر أمري حتى تنتهي طواقم البلدية من إصلاحها".
يصر بهلول على إعادة إعمار رفح برفقة أهالي المدينة، لتدبّ الحياة فيها من جديد، وتعود أجمل مما كانت عليه بسواعد شبابها وخبرة شيوخها.
أتوق للراحة
أما جميل أبو ندى، الذي يقطن في الحي السعودي غربي رفح، فلم ينتظر حتى يتم إصلاح شبكات المياه. عاد برفقة زوجته وطفليه إلى منزله في اليوم التالي لإعلان الهدنة.
يقول أبو ندى لصحيفة "فلسطين": "طيلة اليومين الماضيين لم تغفُ عيناي. كنت أحلم بالعودة إلى منزلي وتوديع حياة الخيام للأبد. أتوق للراحة والسكينة، والعودة إلى حياتي العادية. أعتبر نفسي محظوظًا لأن بيتي صالح للسكن".
ويشير إلى أنه سيواجه صعوبات في توفير المياه، لكنه سيُدبّر أمره عبر تعبئة براميل كبيرة تكفيه لمدة يومين. ويأمل أن تُحلّ هذه الصعوبات تدريجيًا بعد عودة جميع النازحين، معتبرًا أن الأمر صعب، لكنه ليس مستحيلًا.
غرفة واحدة
فارس عامر لم يكن استثناءً. منذ لحظة إعلان الهدنة، سارع لتفقد منزله الواقع في الطابق الثاني. دُمّرت القذائف جميع الجدران وأثاث المنزل، كما تعرّض منزل والده في الطابق الأرضي لدمار جزئي، ولم تبقَ سوى غرفة واحدة صالحة للسكن.
يقول عامر، الذي يقطن حي الجنينة شرقي رفح: "تمكنت من انتشال بعض الملابس لوالدي وبعض المقتنيات التي لم تتضرر، وعدت إلى المخيم حيث أعيش حاليًا في مواصي خان يونس. سأنتظر قليلاً قبل العودة إلى رفح حتى تتمكن البلدية من إصلاح شبكات المياه".
ويتابع: "سأقوم بإجراء إصلاحات في منزل والدي، وإغلاق فتحات النوافذ بالنايلون، وصنع أبواب بسيطة من الخشب والنايلون لتخفيف برودة هواء الشتاء".
ويضيف عامر: "رغم حجم الدمار الهائل، فإن كل من فقد بيته يصر على العودة، حتى لو عاش في خيمة فوق أنقاضه. لقد ذاق مرارة النزوح، ولن تكون حياته القادمة أصعب مما عاشه خلال العام وثلاثة الأشهر التي قضاها في مخيمات النزوح. على الأقل سيعيش بلا خوف، وبلا فقد، وبهدوء نفسي".

