لم يكن مشهد عودة النازحين لشمال غزة، إلا مشهد عظيم من إحدى إنجازات المقاومة، والتي تحطمت عليها "لا" بنيامين نتنياهو الشهيرة بمنع وحظر عودة السكان النازحين لمناطقهم ودياراهم بعيدا عن أي اتفاق.
ويوم أمس الأحد، وثقت عدسات الكاميرات عودة الآلاف لديارهم، ومناطقهم، وذلك مع بدء سريان اتفاق وقف اطلاق النار ما بين المقاومة والاحتلال برعاية دولية.
ولم لم يبدأ مشهد عودة النازحين في تمام الساعة الثامنة والنصف صباحا، كما تم الاتفاق على موعد دخول الهدنة حيّز التنفيذ، بل سبقها المواطنين ليلا، حيث قضى سكان الشمال ليلتهم في أقرب نقطة جغرافية ليكونوا على استعداد للعودة بمجرد دخول الهدنة حيز التنفيذ.
وبدأت أفواج المواطنين النازحين العودة إلى محافظة شمال غزة، وسط مشاعر مختلطة تجمع بين نشوة الصمود وكسر مخططات الاحتلال بتهجيرهم، وغصّة تدمير المنازل والبنية التحتية.
صمود رغم الدمار
ورغم حالة الدمار والألم الذي تركه جيش الاحتلال على طول أيام الحرب، إلا أن عودة النازحين لديارهم ومناطقهم المنكوبة أظهر بهجة وفرحة واسعة في صفوهم.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تبنى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي نتنياهو مواقف صارمة تجاه حركة "حماس"، رافضًا التفاوض المباشر معها أو تقديم أي تنازلات قد تُفسر كضعف أمام المقاومة الفلسطينية.
إحدى هذه المواقف تتمثل في منع عودة النازحين إلى شمال غزة، والذهاب لخطوات عسكرية عدة أشهرها والتي عرفت بخطة الجنرالات والتي تتلخص في إفراغ مناطق الشمال كاملا من سكانه وقتل واعتقال من يمتنع عن النزوح.
ويبدو أنه مع صمود المواطنين وإلى جانبهم عناصر المقاومة رغم كل ما تعرضت له، فضلا عن تزايد الضغوط الداخلية والخارجية، وجد نتنياهو نفسه مضطرًا للتخلي عن لاءته، والموافقة على انسحاب قوات جيشه من شمال غزة.
وبإجماع إسرائيلي فإن الاتفاق الأخير يأتي بتكلفة سياسية كبيرة لنتنياهو، فقد انكسرت واحدة من لاءاته التقليدية المتمثلة في عودة النازحين للشمال، هذا الانكسار قد يضعف شعبيته، خاصة بين قاعدته اليمينية التي ترى في الاتفاق خضوعًا لشروط المقاومة الفلسطينية.
جميع النازحين
ولا يقتصر عودة النازحين من مدينة غزة والذين أرغمتهم (إسرائيل) بالحديد والنار، على العودة لشمال غزة، إذ أنه وبحسب اتفاق وقف إطلاق النار بغزة -الذي اتُّفق عليه في يناير/كانون الثاني 2025 سيسمح لجميع الذين نزحوا إلى جنوب قطاع غزة منذ بداية الحرب بالعودة إلى منازلهم في شمال القطاع، كما سيسمح بحرية التنقل للسكان في جميع مناطق القطاع، وفق آلية متفق عليها.
وبحسب المحاضر في العلوم السياسية مهند مصطفى، فإن كلمة الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة الأخيرة يوم أمس، تلخص مجريات الحرب، وتحمل نبرة الانتصار.
ولفت مصطفى إلى أن تخصيص أبو عبيدة جزء كبير من كلمته عن معركة شمال غزة، لأنها من المعارك المهمة التي أدت للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار، معتبرا هذه المعركة في كفة وبقية معارك الحرب بكفة أخرى.
وأرجع ذلك إلى أن هذا المعركة "كانت الورقة الأخيرة بيد (إسرائيل) لإخضاع حماس"، مؤكدا انهيار إسرائيل أخلاقيا وردعها عسكريا وتقزيم نفسها على المستوى الدولي.
وفي 13 يناير/كانون الثاني الجاري، كشف جيش الاحتلال الإسرائيلي مقتل 840 عسكريا في صفوف الجيش منذ بداية الحرب، بينهم 405 جنود قُتلوا في المعارك البرية داخل قطاع غزة.
ووفق الجيش الإسرائيلي، فإن 55 جنديا وضابطا قُتلوا خلال العملية العسكرية الأخيرة في شمال قطاع غزة، التي بدأت في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قبل دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ صباح الأحد.

