فلسطين أون لاين

اتِّفاق وقف النَّار في غزَّة.. صمودٌ شعبي وبطولةُ مقاومة تصنع مجدًا

...
اتِّفاق وقف النَّار في غزَّة.. صمودٌ شعبي وبطولةُ مقاومة تصنع مجدًا 
غزة/ علي البطة

بعد أكثر من 15 شهرًا على حرب الإبادة الإسرائيلية الجماعية، جاء الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة تتويجًا لصمود شعبي وبطولة مقاومة صنعت مجدًا يكتب بحروف من ذهب في التاريخ. 

ويتفق خبراء سياسيون وعسكريون على أن الاتفاق يمثل محطة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث انكسرت فيه إرادة الاحتلال ورضخ لمطالب المقاومة بعد فشله في تحقيق أهدافه الاستراتيجية المعلنة منذ بداية الحرب. 

 ملحمة نضالية فريدة 

الكاتب السياسي التونسي د. خالد شوكت، رئيس تحرير مجلة "المصير"، يرى أن هذا الاتفاق هو تتويج لأهم ملحمة نضالية خاضها الشعب الفلسطيني في تاريخه، وربما تكون ملحمة فريدة قادها الشعب الفلسطيني، تعكس انعطافة تاريخية ستفتح المجال لتآكل الكيان الإسرائيلي من الداخل. 

ويوضح شوكت لـ "فلسطين أون لاين" أن البطولة التي أظهرها المجاهدون الفلسطينيون أسطورية بكل المعاني. 

وأُعلن في الدوحة مساء أول من أمس، التوصل للاتفاق بعد مفاوضات ساخنة لا تقل سخونة عن الأحداث في قطاع غزة، ومن المقرر أن يبدأ تنفيذه يوم الأحد المقبل. 

هذا الاتفاق، حسب الخبير شوكت، هو الوجه الآخر لـ"طوفان الأقصى"، موضحًا أنهما يشكلان معًا انعطافة تاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي. ويضيف: "الكيان الإسرائيلي سيبدأ عدّه التنازلي وسيدخل في دوامة صراع داخلي ستنتهي بتفككه". 

ورأى شوكت أن المقاومة كشفت عن هشاشة "بيت العنكبوت"، وأجبرت الاحتلال على وقف حربه الهمجية التي استمرت 467 يومًا، رغم الدعم الدولي المفتوح له. 

ضغط أمريكي وفشل "إسرائيلي"

في سياق مشابه، يرى الخبير في القانون الدولي فؤاد بكر أن الاتفاق جاء بضغط أمريكي بعد فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه الاستراتيجية، مؤكدًا أن المقاومة نجحت في فرض شروطها رغم المحاولات المستمرة لتصفية وجودها. 

ويذهب الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني نضال أبو زيد إلى أن المقاومة أجبرت الاحتلال على القبول بصفقة وقف إطلاق النار، مشددًا على أن ما تحقق في غزة بعد 467 يومًا من العمليات العسكرية والكتلة النارية الضخمة التي دخل بها الاحتلال إلى غزة، يثبت أن المقاومة نجحت في تجريد الاحتلال من إمكانية التفوق عسكريًا، رغم الماكينة العسكرية والاستخباراتية والإعلامية الضخمة التي رافقت العملية العسكرية. 

إنجازات تاريخية 

يتفق الخبراء على تعدد الإنجازات التي تحققت للفلسطينيين في هذه الملحمة. إذ يرى الخبير شوكت أن أهم هذه الإنجازات هو اكتشاف الفلسطينيين لقدراتهم الهائلة على تحقيق النصر رغم أن جميع الظروف والمعطيات كانت تقول إن هذا مستحيل. 

ويضيف أن الإنجاز الثاني هو كشف وهن "بيت العنكبوت"، والإنجاز الثالث تأكيد أن هزيمة "طوفان الأقصى" لا تُمحى وستظل عالقة في عيون أهل الكيان، ولن يقدروا على تجاوزها رغم كل الهمجية التي أظهروها. أما الإنجاز الرابع، حسب شوكت، فهو تعرّي الكيان الإسرائيلي كما لم يتعرَ من قبل. 

وأشار إلى أن الإنجاز الخامس هو استعادة القضية الفلسطينية لوهجها، حيث صارت قضية الأحرار في كل مكان، وصارت فاعلًا دوليًا من أجل مجتمع إنساني أكثر عدالة. 

من جهة أخرى، يشير الخبير أبو زيد إلى أن المقاومة أثبتت قدرتها على إدارة معارك استنزاف طويلة، وأفشلت خطط الاحتلال العسكرية كافة، مثل "الفقاعات الإنسانية" و"تقطيع غزة". 

تحديات وإخفاقات 

أما الإخفاقات، فيرجعها المحللون إلى غياب الدعم العربي الفعّال وانخفاض مستوى التنسيق الدولي لإعادة الإعمار. يشير بكر إلى أن عدم تضمين إعادة الإعمار بشكل كافٍ في الاتفاق يُعدّ تحديًا، يتطلب توافقًا وطنيًا فلسطينيًا لإدارة المرحلة المقبلة. 

يرى د. خالد شوكت أن أداء المقاومة في غزة تجاوز كل التوقعات، حيث صمدت لقرابة 15 شهرًا، محطمة بذلك النظريات العسكرية التقليدية. كما يؤكد أبو زيد أن المقاومة أظهرت حرفية غير مسبوقة في استنزاف العدو، ما أدى إلى إنهاك قدراته العسكرية والاقتصادية. 

يشير الخبراء إلى أن المقاومة الفلسطينية، رغم استنزافها، قادرة على إعادة ترميم بنيتها العسكرية والتنظيمية، مع الحفاظ على زخمها الشعبي والدولي. يصف بكر المقاومة بأنها "فكرة لا يمكن اغتيالها"، وأن قطاع غزة سيظل رمزًا للصمود وإعادة البناء. 

على الجانب الآخر، يواجه الاحتلال أزمات داخلية متزايدة. يرى شوكت أن الكيان سيشهد صراعات داخلية ستقود إلى تفككه، خاصة بعد فشل قادته في تحقيق أي انتصار استراتيجي. كما يتوقع بكر نهاية مستقبل نتنياهو السياسي، الذي بات ملاحقًا بتهم جرائم الحرب والإبادة الجماعية.

يُجمع المحللون على أن غزة، التي دفعت ثمنًا باهظًا نيابة عن الأمة، تحتاج الآن لدعم عربي ودولي شامل. يشير أبو زيد إلى أن إعادة إعمار غزة ليست مجرد استحقاق إنساني، بل واجب قومي وعالمي. ويشدد على أن صمود غزة أعاد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العربي والإسلامي. 

تظل غزة نموذجًا نادرًا في التاريخ الإنساني، حيث صمدت أمام آلة عسكرية وحشية، وفرضت إرادتها على الاحتلال. يتطلب المستقبل تضامنًا واعترافًا دوليًا بحقوقها، مع الاستمرار في دعم مقاومتها، التي أثبتت أن الإرادة والعدالة لا تُهزمان.

المصدر / فلسطين أون لاين