فلسطين أون لاين

في وداعِ القائد الشَّهيد حسام شهوان

 

في مرحلة الانفلات الأمني التي سادت أرجاء قطاع غزة، وازدادت عنفاً بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية 2006، ومع تشكيل حكومة الشهيد إسماعيل هنية، ومحاولة رئيس السلطة الفلسطينية إفشالها، بكل ما أوتي من بطش، وضمن ذلك، ما أصدره من تعليمات سرية لرئيس جهاز الأمن الداخلي في ذلك الوقت رشيد أبو شباك، حيث أوصى السيد محمود عباس رئيس جهاز الأمن الداخلي رشيد أبو شباك، بتجاوز كل قراراته التي سيصدرها لها، بناء على طلب وزير الداخلية في ذلك الوقت، الشهيد سعيد صيام.

وكان وزير الداخلية في حكومة الشهيد إسماعيل هنية، يلتقي مع الرئيس محمود عباس، ويقدم له قائمة من الطلبات، التي تحظى بتوقيع الرئيس، ولكن رئيس جهاز الأمن الداخلي لا ينفذها، وفق الاتفاق السري مع الرئيس.

في ذلك الوقت كان الغضب ينصب على رشيد أبو شباك، بصفته متمرداً على قرارات الرئيس البريء، والحريص على المصلحة الوطنية، ولم يكن يعرف بالحقيقة إلا رشيد أبو شباك، الذي فضح المستور، وكشف للكثير من قادة جهاز الأمن الوقائي عن التعليمات السرية التي طلبها منه الرئيس.

في تلك الفترة، ولتجاوز حالة الاحتقار والاستخفاف بوزير الداخلية، شكل الشهيد سعيد صيام قوة تنفيذية، بعيدة عن رئيس جهاز الأمن الداخلي رشيد أبو شباك.

كان على رأس القوة التنفيذية في خان يونس، أحد تلاميذي في المدرسة الإعدادية حسام شهوان، وفي تلك الفترة الصعبة من عمر القضية الفلسطينية، تحملت مسؤولية رئاسة بلدية خان يونس، في ظل الانقسام والصراع الداخلي والتمرد والانفلات الأمني، وكانت البلدية تتعرض للاعتداء على مدار الساعة، ومن عابري الطريق.

لقد تزايدت الاعتداءات على سيارات البلدية ومعداتها، حتى وصل الأمر ببعض الناس أن اختطفوا كباش البلدية، وهاجموا مقر تجمع سيارات الصرف الصحي، وراحوا يحطمون الزجاج، ويهدون الأسوار، بهدف تحويل المكان من مقر لبلدية خان يونس إلى متنزه.

ورغم كل محاولات الإقناع والاحتواء، واصل بعض الشباب تدمير كراج البلدية، مما استوجب الاستعانة بالشرطة، والاتصال بمدير الشرطة، لوقف الاعتداء على كراج سيارات بلدية خان يونس.

وبعد ساعات طويلة من الانتظار، وبعد عدة اتصالات بمدير شرطة خان يونس، رغم مواصلة المواطنين المنفلتين تدمير كراج سيارات البلدية.

وقتئذ، وحرصاً على المصلحة العامة، لم أجد بداً من الاتصال بتلميذي حسام شهوان، قائد القوة التنفيذية، والطلب منه حماية كراج البلدية والسيارات.

دقائق معدودات، حاصر حسام شهوان المكان بقواته، وأوقف العدوان على كراج سيارات البلدية، وبسط الأمن على المنطقة، وانتهت المشكلة التي استمرت من الصباح وحتى قبل الغروب، ونحن نتواصل مع مدير شرطة خان يونس بلا جدوى، انتهت المشكلة في غضون دقائق.

هذا الحسم السريع، دفعني للطلب من حسام شهوان أن يوفر الحماية لمقر بلدية خان يونس المتواجد بجوار مركز الشرطة، وبجوار مقر الأجهزة الأمنية.

في اليوم التالي أرسل حسام شهوان خمسة شباب كأنهم قدوا من الصخر، ودخلوا مقر البلدية بسلاحهم الشخصي، ليتحلموا مسؤولية حماية مقر البلدية، وهنا جن جنون قادة الأجهزة الأمنية في خان يونس، لقد غضبوا، وثاروا، واتصلوا بي في حالة من الحنق والغضب، واتهموني بأنني جلبت حركة حماس إلى المربع الأمني للأجهزة الأمنية.

ولأنني غير مستعد لتحمل مسؤولية اشتباك بين القوة التنفيذية وأجهزة أمن السلطة الفلسطينية، وافقت في اليوم التالي على حضور لقاء في مقر المحافظة في خان يونس، اللقاء ضم محافظ خان يونس د. أسامة الفرا، وضم كل قادة الأجهزة الأمنية في خان يونس، وجلهم يعرفونني شخصياً، وأعرفهم، بعضهم كان معي في السجن، وبعضهم كان تلميذ عندي في المدرسة.

في ذلك المساء تم الاتفاق بأن أقوم بإبعاد رجال التنفيذية عن المكان، على أن يوفر قادة الأجهزة الأمنية الحراسة والحماية لمقر المجلس البلدي، واتفقوا أن يرسل كل جهاز عدداً من عناصره، مع سلاحهم وسيارتهم، لحماية مقر البلدية.

وعلى الفور، تواصلت مع حسام شهوان، وطلبت منه أن يسحب قوات التنفيذية من بلدية خان يونس، فلم نعد بحاجة إليهم، ستوفر الأجهزة الأمنية الفلسطينية الحماية لبلدية خان يونس.

ودون تردد، ودون نقاش، سحب حسام شهوان قواته من البلدية، وأخلى المكان.

ورحنا نحن في بلدية خان يونس ننتظر رجال الأجهزة الأمنية الذين وعد بهم قادة الأجهزة، انتظرناهم في الصباح، فلم يصل أحد، اتصلت بقادة الأجهزة الأمنية، فوعدوا بوصولهم بعد دقائق، ولم يصل أحد، عاودت الاتصال، وتلقيت الوعد نفسه، ولكن، لم يصل أحد، وأرددها بحزن وأسف، لم يرسل قادة الأجهزة الأمنية في خان يونس في ذلك الوقت أي شرطي أو ضابط أو مسؤول، ليوفر الحماية لمقر البلدية.

لقد ذهبت كل وعودهم، واستعداداتهم، وحميتهم أدراج الرياح، وما حدث من اتفاق في المساء ذاب وتبخر مع شمس الصباح.

لم أعاود الطلب من حسام شهوان أي حماية لمقر البلدية، فلن أكون سبباً في اشتباك بين الأخوة، ولم يراجعني حسام شهوان بهذا الشأن، لقد قام بالدور المطلوب منه على أكمل وجه، وانتهت المهمة.

ومع بداية 2025، انتهت مهمة العميد حسام شهوان مع الشرطة الفلسطينية، لقد استهدفه العدو "الإسرائيلي" هو رفيق دربه، قائد قوات الشرطة الفلسطينية في قطاع غزة الشهيد محمود صلاح.

رحم الله الشهداء، ورحم الله حسام شهوان، كان تلميذاً طيباً مؤدباً، وكان ضابطاً منضبطاً شجاعاً، وهو اليوم يستقبل الشهادة وهو على رأس عمله، مكلفاً بحفظ الأمن، وعدم السماح بعودة الانفلات الأمني إلى قطاع غزة من جديد.