فلسطين أون لاين

جنين وبوصلة المقاومة ؟

في ظل الضغط العسكري الذي يتحدّث عنه "نتنياهو" والنصر المطلق والتبشير بفتوحاته في الشرق الأوسط وإعادة بنائه على الطريقة الإسرائيلية المطلقة دون شريك ودون أي اعتبار لأحد، وزد على ذلك مبشّرات من حوله من مجانين ائتلافه الحاكم: ضمّ الضفة وفرض الغطرسة والمزيد المزيد من الاستيطان وتدنيس الأقصى وكلّ الحرمات، والمجازر تتواصل على مدار الأربع وستين ساعة يوميّا وتدمير كلّ ماله صلة في الحياة والبقاء في قطاع غزّة، ثم نأتي على وضع الضفة التي تنتظر الكارثة وفتح الجبهة الموعودة من قبل ماكينة الاجرام الصهيونية، لم يبق عليهم بعد لبنان وسوريا وغزّة سوى الضفّة وأن يشبعوا غريزتهم المتعطّشة للدماء من مكان بقي على وحشهم أن ينفذ مخالبه فيه .

أمام هذا المشهد الدرامي الأسود المتدحرج ليس لنا إلا أن نستقبله بأن يضرب بعضنا بعضا وأن نحرف البوصلة ونعفي الاحتلال من مهمته القادمة، لعلّه يراف بنا أو أن يكتفي بما نقوم به نيابة عنه، لن تتورّع الام المدّعية من الموافقة على تقطيع من ادّعت أنّه ابنها وستطوي الامّ الحقيقية على ألمها وتموت حسرة وكمدا على تقطيع ولدها، فلسطين ومن ينتمي انتماء صادقا لفلسطيني لن يخطو خطوة واحدة نحو كل ما قد يؤدي إلى سفك الدم الفلسطيني.  

عندما يكون الشعب الفلسطيني في أشدّ الحاجة والضرورة للاصطفاف خلف برنامج وطني موحّد مشتبك مع المحتل في سياق مواجهة توحّشه المسعور في الضفة الغربية عدا عن جرائمه في غزّة، نجد السير بالاتجاه المعاكس في جنين أن يشتبك الفلسطيني مع الفلسطيني، كلّ من يغذّي أو يسوّغ هذا التوجه هو ناعق بوم أو هو خير من يعبّر عن إرادة الاحتلال فينا.  

لقد تجلّى في لبنان في أكثر من محطة من محطاته السياسية، انسجام وتكامل أدوارهذا الثلاثي (الشعب والدولة والمقاومة) أدى إلى ثمار سياسيّة جيّدة وقدرة على تجنّب البلد مخاطر شديدة وتفويت الفرصة على إمعان الاحتلال في عدوانه، وظهر ذلك جليّا في الجولة الأخيرة من الصراع. لماذا لا يستفيد الفلسطينيون من هذه التجربة؟ هناك مشكلة كبيرة في من تنحرف بوصلته ولا يرى تحديات الاحتلال، ولا يستطيع أن يخرج من التناقض الداخلي إلى التناقض الخارجي.  

ثمّة نقطة جوهرية لا بدّ من التركيز عليها: لو كان الاحتلال يعطي فرصة للذين ما زالوا يأملون بخيار التسوية أو مجرّد بارقة أمل لوجدنا من يبرّر وقف سلاح المقاومة وإعطاء فرصة لهذه التسوية، أمّا وأن الاحتلال قد دفن كلّ أمكانية للتسوية ولا يوجد لا في برامج أحزاب الائتلاف السياسية فكرة حلّ الدولتين ولا في ما تبطن السياسة الإسرائيلية وما تعلن بل أنّ كل التحليلات وأقوال المختصين بالشأن الإسرائيلي يشرحون بكلّ وضوح مخططات الضم للضفّة والمزيد من الاستيطان وفرض وقائع تنقض أي احتمالية لوجود كيان فلسطيني يحظى بقبول إسرائيلي به. فعلام إذا نقتتل ونحرف البوصلة ومصيرنا عند الإسرائيلي بات أسودا بكلّ وضوح.

ولا مبرّر للقوى الفاعلة الفلسطينية من أن تبقى متفرجة دون أيّ فعل أمام هذا المشهد المأساوي في جنين، جنين البطولة والتضحية، جنين المعمّدة بدماء الشهداء ، جنين الشوكة في حلق الاحتلال، جنين التي شكّلت مساندة فاعلة لغزّة ووقفت تصرخ بالنار والاشتباك الملتهب ردّا على مجازر غزّة، جنين البطولة كانت القلعة الشامخة التي قاتلت فيها كلّ الفصائل الفلسطينية كتفا الى كتف في وجه السفاح شارون،  تتحوّل بكل بساطة وفي توقيت صعب إلى أن تُستهدف بهذا الشكل الفظيع، هذا من شأنه أن ينتج تداعيات خطيرة تشمل الضفّة قاطبة إن لم يتداعى شرفاء هذا الوطن لوضع حدّ لهذا المشهد الذي يدمي كلّ قلب حرّ يحمل همّ فلسطين. جنين ومخيمها ستبقى نموذجا للبطولة والفداء والإرادة الحرّة ولن يكسرها أحد. هؤلاء المقاتلون اليوم هم أبناء من قاتلوا شارون عام 2002، الرحم الحرّ الذي ينجب الاحرار ولن يتوقّف أبدا.

المصدر / فلسطين أون لاين