سنوات طويلة، وحركة حماس تبحث عن شريك لها في غزة، يشيل معها الحمل، ويرفع عنها القليل من أعباء المسؤولية، ولكن الجميع تأفف من تحمل مسؤولية غزة، وفي الوقت نفسه سعت حركة حماس على مدار سنوات، كي تصل إلى صيفة تفاهم مع حركة فتح، لتحقيق المصالحة الوطنية، وانهاء الانقسام، ولكن، دون جدوى.
اليوم، تسعى حركة حماس للشراكة في إدارة شؤون غزة، بعد انتهاء العدوان، ولاسيما أن العدو الإسرائيلي يشترط إبعاد حركة حماس عن إدارة غزة، كشرط لوقف أطلاق النار، وحركة حماس لا تعارض في وجود لجنة فلسطينية، تحت أي مسمى، تقوم بالمسؤولية، وتدير شؤون الناس في القطاع، ولاسيما بعد نجاح الشراكة الفلسطينية لمعظم التنظيمات في مقاومة العدوان الإسرائيلي.
إذن، فالعلاقة وثيقة بين وقف العدوان على قطاع غزة، وبين تشكيل لجنة تدير شؤون الناس في غزة، سيكون اسمها "لجنة الإسناد المجتمعي" ويجزم بعض المتابعين للشأن الفلسطيني أن لا وقف لإطلاق النار في غزة قبل صدور المرسوم الرئاسي بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، وهذا ما يدركه محمود عباس، وهذا ما يدفعه إلى التدلل على الفلسطينيين في قطاع غزة، وما يدفعه إلى التذلل للإسرائيليين ليعطوه شيئاً، يرفع من أسهمه المنهارة في استطلاعات الرأي.
تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي جاءت بمبادرة مصرية، وبعد التنسيق والتشاور مع أمريكا، وبعد التواصل مع الإسرائيليين، والتوصل لصيغة تفاهم ما مع أكثر من طرف عربي ودولي، على ضرورة تشكيل لجنة إسناد مجتمعي، من مهماتها إدارة الوضع المعيشي لسكان قطاع غزة، في اليوم التالي للحرب، وبعد توقف القتال.
تتميز لجنة الإسناد المجتمعي بأنها مستقلة عن كافة التنظيمات الفلسطينية، وقد تمت قراءة فقراءتها، والتعديل على محتوياتها، من كافة التنظيمات الفلسطينية التي استضافتها القاهرة، وحاورتها، وتوصلت معها إلى صيفة اتفاق وسطي، ترضي جميع التنظيمات، بما في ذلك تنظيم حركة فتح، الذي شارك في الجلسات بقادة من الوزن الثقيل أمثال عزام الأحمد، الخبير في مفاوضات المصالحة مع حركة حماس، والذي توصل لاتفاقية تفاهم مع حركة حماس في الجزائر، قبل ان يفسدها محمود عباس، وقد شارك في مفاوضات القاهرة السيد محمود العالول، نائب رئيس حركة فتح، وهو الذي توصل مع الشهيد إسماعيل هنية إلى تفاهمات بكين، حول تشكيل حكومة توافق وطني، رفضها محمود عباس لاحقاً، وقد كان وفد حركة فتح برئاسة روحي فتوح، المرشح للرئاسة، ورئيس المجلس الوطني، وقد توافق قادة فتح مع المخابرات المصرية على الصيغة النهائية للجنة الإسناد المجتمعي.
وحين وصل الأمر إلى رئيس السلطة محمود عباس، وصار من واجبه أن يصدر مرسوماً رئاسياً بتكليف اللجنة المتفق عليها، تمنّع، وعقد اجتماع اللجنة التنفيذية، التي رفضت كل التفاهمات التي تم التوصل إليها في القاهرة.
والحقيقة هي ان لا وجود لشيء اسمه لجنة تنفيذية، فالموجود هو شخص واحد اسمه محمود عباس، وهو الوحيد صاحب القرار في كل ما يتعلق بالشأن الفلسطيني، والدليل أن ثلاثة من أعضاء اللجنة التنفيذية شاركوا في صياغة وثيقة لجنة الإسناد المجتمعي في القاهرة، ووافقوا عليها بعد طول نقاش، وحين وصل الأمر إلى رام الله، لم يجرؤ أيهم ليقول لمحمود عباس: لسنا أطفالاً، ولسنا مارقين على الوطن، ولسينا تافهين إلى الحد الذي تلغي فيه قراراً توافقنا عليه بالإجماع مع التنظيمات، فلا تلغي شخصياتنا.
لقد ذهب جهد القاهرة وتنسيقاتها ومحاولاتها رأي الصدع الفلسطيني أدراج الرياح، ولكن الأخطر من ذلك، أن رفض عباس لتشكيل لجنة الإسناد المجتمعي، يعطي للعدو الإسرائيلي الذريعة لمواصلة عدوانه على أهالي قطاع غزة، من منطلق عدم وجود قيادة بديلة لحركة حماس، تدير شؤون الناس في قطاع غزة في اليوم التالي للعدوان.
تأخير تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي يترك الساحة الفلسطينية تعاني الانقسام الذي لا مفر منه، ويترك الفلسطينيين أمام السؤال الكبير:
لماذا رفض محمود عباس المصادقة على تشكيل لجنة الإسناد المجتمعي؟
وهل حقاً ما يقال: بأن تشكيل مثل هذه اللجنة يعزز الانقسام الفلسطيني؟
وهل حرص محمود عباس على مدار 17 عاماً من الانقسام على تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية؟
ومن المستفيد من الانقسام؟ ومن المستفيد من عدم إجراء الانتخابات؟ ومن المستفيد من التفرد بالقرار الفلسطيني؟ ومن المستفيد من مواصلة التنسيق والتعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية؟
أسئلة تقود إلى جواب واحد، لم يعد خفياً على شعب التضحيات والبطولات.