على "عربة كارُّو" يضع الأربعينيُّ سفيان أبو رزق برميل بلاستيكيّ من الماء العذب، يجوب به أحياء وشوارع في المحافظة الوسطى.
لجأ أبو رزق إلى بيع الماء لحاجته الماسَّة للنُّقود لتلبية احتياجات أسرته النَّازحة من حيِّ الزَّيتون منذ نحو العام، مدركًا حجم الطَّلب على شراء الماء في ظلِّ استهداف الاحتلال محطَّات المياه وخطوط الإمداد.
"مية حلوة.. مية حلوة"، بهذه الكلمات المقتضبة استطاع أبو رزق أن يجمع حوله مشتريين، فمًا أن يسمع صوته حتَّى يخرج الرَّاغبون بجالوناتهم للتَّعبئة، مقابل 3 شيكل لكلِّ جالون ذو 20 لترًا.
يقول إنَّ الحرب قاسية جدًّا وأرغمته على أن يعمل في مجال غير مجاله، فكان يعمل قبل الحرب في مجال البناء والتَّشييد ويشرف على أكثر من 15 عاملاً.
لم يكن وحده من أجبرتهم الظُّروف على تغيير وظائفهم وأعمالهم، فالسِّتينيُّ عبد الحليم مطر اضطرَّ هو الآخر للعمل على بسطة توابل وبهارات كي يستطيع الإنفاق على أسرته الَّتي تضمُّ 10 أفراد.
يقول بحسرة إنَّه كان لديه استراحة واسعة على البحر وكان يستفيد منها مادِّيًّا في أوقات الصَّيف خاصَّةً عند استقبال الرِّحلات المدرسيَّة، بل كان يوفِّر عملاً لخمسة آخرين بينهم أخوه الأصغر.
ويساوره القلق فهو يخشى أن تضع الحرب أوزارها دون أن يلتفت أيَّ شخص إليه لتعويضه عن الضَّرر الَّذي أصاب استراحته الَّتي قدَّر خسارتها بمبلغ 10، 000 دولار.
ولا يختلف الحال كثيرًا عند السيدة نجلاء السعافين التي كانت تملك محلا لبيع الملابس والإكسسوارات النسائية في مدينة غزة، فهي لم تتأقلم مع الظروف الراهنة وحاولت أن تبدأ من جديد بعد ان نزحت إلى مخيم المغازي وسط القطاع.
وبينما كانت السيدة السعافين تستورد بضائعها من تركيا وكان لها زبائن محددين، كان عملها يوفر لها دخلا مما كفاها لتعليم ابنتها في الجامعة وبناء منزلها.
وأشارت إلى أن محلها أصبح أثرًا بعد العين حيث دمرت الدبابات العسكرية الإسرائيلية المنطقة التي كان يتواجد فيه المحل، وتقدر خسارتها بأكثر من 40,000 دولار.
وأوضحت أنها تعمل حاليًا في مجال تصنيع المعجنات بصحبة شقيقتها وتبيع المنتجات للمحلات وداخل الأسواق.
واضطر كثير من العمال إلى بيع أثاث منازلهم وممتلكاتهم الخاصة لتغطية النفقات الأساسية اللازمة لمجالات الطعام والمعالجات الطبية وغيرها.
من جانبه، أوضح رئيس اتحاد نقابات عمال فلسطين، سامي العمصي أن الحرب زادت من معدلات البطالة في قطاع غزة خاصة في عمال العمال المياومة ودفعت الكثير من أصحاب المهن إلى تغيير نشاطاتهم بسبب صعوبة توفير المواد اللازمة لعملهم.
وأشار العمصي إلى أن الاحتلال دمّر مصانع وشركات ومحال بشكل مباشر وغير مباشر، مما أدى إلى تفاقم الوضع المعيشي للناس.
وناشد بضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف الحرب وتقديم كل الدعم اللازم لإغاثة الناس وخاصة طبقة العمال، والذين كانوا يعملون في الداخل المحتل.
وحسب البيانات المتاحة إن عمّال القطاع يعيشون ظروفاً إنسانيةً غير مسبوقة في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 75%، وارتفاع نسبة الفقر إلى أكثر من 90%، واستمرار الحصار الإسرائيلي للعام 18 على التوالي.
وفقد أكثر من 200 ألف شخص وظيفته خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الحرب، بينهم قرابة 5000 صياد أسماك.