عباية وعقال وعكازة بيد المختار سمير الحواجري أثناء خروجه ليلًا من منزله إلى مدخل مخيم النصيرات؛ تلبية لدعوة شعبية لتأمين شاحنات المساعدات الغذائية والإنسانية إلى المنظمات الأممية والدولية العاملة جنوب قطاع غزة.
عكازة باليد اليمنى وضوء هاتفه بيده اليسرى، لينير الحواجري (60 عاما) الظلام الدامس والطرق المدمرة من الصواريخ الإسرائيلية، ليتمكن من السير برفقة وجهاء ومخاتير وعشرات النشطاء وصولا لطريق صلاح الدين.
وعقب وصولهم الطريق المحدد وتحديدًا أمام مدخل مخيمي النصيرات والبريج، يجتهد الوجهاء والنشطاء لتوزيع أنفسهم على امتداد الطريق؛ في محاولة منهم لحماية المساعدات من "عصابات اللصوص" وتأمين الجبهة الداخلية.
ويعتبر المختار (أبو نضال) هذا الأمر واجبًا وطنيًا على الصغار والكبار وكل فرد من أبناء شعبنا الذي يخضع لـ"حرب إبادة إسرائيلية جماعية" منذ أكثر 425 يوما.
ومطلع ديسمبر/ كانون أول الجاري، أعلن المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني إيقاف إيصال المساعدات عبر معبر "كرم أبو سالم" الممر الرئيسي لدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وعزا لازاريني ذلك بعد استيلاء "عصابة مسلحة" و"قطاع طرق" على شاحنات أغذية حاولت الدخول عبر المعبر الواقع أقصى جنوب شرق القطاع.
وخلال الأيام الماضية، عززت (أونروا) جهودها لإدخال شاحنات المساعدات من شمال القطاع إلى الوسط وهو الأمر الذي تطوعت لأجله لجان الحراسة الشعبية من مخيمي النصيرات والبريج؛ لتأمين تلك المساعدات وصولا لمخازن الوكالة والمؤسسات الدولية.
ويعود المختار الذي تعرض منزله للدمار خلال الحرب الدائرة، بذاكرته إلى الوراء ومحطات النضال ومساندة لجان الحراسة الشعبية إبان الانتفاضتين الأولى 1987م والثانية 2000م.
ويقول لمراسل "فلسطين أون لاين": على مدار محطات النضال الفلسطيني تزخر صفحات شعبنا بالتكافل والتلاحم وحماية الجبهة الداخلية من الاحتلال وأعوانه.
وكما سجل التاريخ المحطات الناصعة بتضحيات شعبنا، يختم المختار الحواجري حديثه: "ستمضي هذه الحرب وويلاتها وستذهب أيام الجوع وتعود غزة أجمل بإذن الله".
وعبر عقود طويلة من الاستعمار، أوجد الفلسطينيون لجانا شعبية لصدّ هجمات الغُزاة وحماية أرواحهم وممتلكاتهم، وعادة تتشكل عفويا وتختفي ثم تعاود الظهور وقت الحاجة.
وخلال الشهور الماضية، سادت مظاهر استيلاء "اللصوص" و"قطاع الطرق" على شاحنات المساعدات؛ بسبب إسناد جيش الاحتلال تلك العصابات والاستهداف المتكرر لعناصر الشرطة الفلسطينية لمنعها من تأمين المساعدات.
وعن ذلك، أكد الناشط رائد الطويل أنه كان أمرا لازما على أبناء شعبنا الاتجاه نحو تشكيل لجان الحراسة الشعبية؛ كأقل الأضرار في ظل الظروف الصعبة والعمل على تأمين الجبهة الداخلية.
وذكر أن العمل التطوعي جاء بهدف قطع الطريق على "السرقة المنظمة" على غرار التي تحدث في محيط معبر "كرم أبو سالم"، ولتقديم نموذج وطني يحتذى به عبر الأجيال الفلسطينية.
وشدد الطويل في حديثه لمراسل "فلسطين أون لاين" على أهمية لجان الحراسة الشعبية والتعاون بين فئات شعبنا في حماية جبهته الداخلية ووصول المساعدات الإنسانية والإغاثية للجميع.
وعبر عن فخره بنجاح اللجان الشعبية خلال الأيام الماضية بتأمين عشرات شاحنات المساعدات وصولا لمقرات وكالة (أونروا) والمؤسسات الدولية وسط القطاع وجنوبه.
واستدل بنجاح تأمين شاحنات الدقيق لمقرات وكالة (أونروا) والتي بدأت هذا الأسبوع بتوزيعه على الأسر الفلسطينية.
ويتحكم جيش الاحتلال في إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وسط أزمة إنسانية خانقة وشبح مجاعة لا سيما محافظة شمال غزة، وترفض سلطات الاحتلال التعاون مع المنظمات الأممية والدولية لإدخال الأدوية والأغذية والاحتياجات الأساسية.
وأكد لازاريني أن القرار -الذي وصفه بالصعب- بإيقاف إيصال المساعدات عبر معبر "كرم أبو سالم" يأتي في وقت يتفاقم فيه الجوع بسرعة.
ولأجل هذه الأسباب، اضطرت وحدة "سهم" الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، منتصف نوفمبر/ تشرين ثان الماضي تنفذ عملية واسعة ضد عصابات سرقة المساعدات.
وذكرت الوزارة، في بيان، أن هذه العملية نفذت بالشراكة بين الأجهزة الأمنية ولجان عشائرية في القطاع، مشيرة إلى أن عمل الوحدة سيتوسع ليشمل كل من تورط في سرقة شاحنات المساعدات.
ونوهت إلى أن الحملة الأمنية لا تستهدف عشائر بعينها وإنما تهدف للقضاء على ظاهرة سرقة الشاحنات التي أثرت بشكل كبير على المجتمع وتسببت في بوادر مجاعة جنوب القطاع.
وأفادت بأن الأجهزة الأمنية رصدت اتصالات بين عصابات اللصوص وجيش الاحتلال في تغطية أعمالها وتوجيه مهامها، وتوفير غطاء أمني لها من قبل ضباط "الشاباك".
ومن جهتها، رحب التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية بالحملة الأمنية التي تقودها وزارة الداخلية بغزة ضد اللصوص وقطاع الطرق.
وقال التجمع الوطني في بيانٍ صحافي، نبارك تطهير وزارة الداخلية أوكار وأذناب المحتل الغاصب لأرضنا الفلسطينية، والتي تمثلت في قيام ثلة طيبة مباركة من الأيادي الوطنية المتوضئة الذين أشفوا غليل أبناء شعبنا المحاصر، حصاراً من العدو وحصاراً من قُطَّاع الطرق وأذناب المحتل، لقد سعى المحتل الغاصب إلى تدمير كل معالم سيادة القانون وتدمير المراكز الشرطية الخدماتية، ليسود الفلتان المجتمعي وحالات السرقة والجرائم، بهدف جعل القطاع منطقة منكوبة غير صالحة للحياة الإنسانية والآدمية، تعمها الفوضى والمشكلات الاجتماعية وتعمق جراءة مظاهر أخذ القانون باليد، وانتشار العصابات وقطاع الطرق وارتفاع الأسعار وغيرها.
ويطلق الاحتلال الإسرائيلي أيدي عصابات ومجموعات مسلحة خارجة عن القانون في قطاع غزة، لاعتراض قوافل المساعدات والبضائع القادمة من المعابر التي يسيطر عليها، في جريمة ممنهجة، تهدف إلى تعميق أزمة الجوع في القطاع، وخلق حالة من الفوضى والأزمات الاقتصادية والأمنية.
ومهد الاحتلال لانتشار هذه العصابات بالاستهداف الممنهج للعناصر والقيادات الشرطية، والأمنية التي كانت تؤمن طريق المساعدات الواردة من معبر رفح، والمعابر الأخرى، الأمر الذي خلق فراغا أمنيا كبيرا استفادت منه مافيا اعتراض المساعدات، وبدأت تنشط في مناطق تخضع بالكامل لسيطرة قوات الاحتلال.
في هذا السياق، أفادت 29 منظمة دولية غير حكومية بأن جيش الاحتلال يشجع على نهب المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، عن طريق مهاجمته قوات الشرطة الفلسطينية التي تحاول تأمين المساعدات.
وجاء في تقرير مشترك لهذه المنظمات، ومن بينها "أطباء العالم" و"أوكسفام" والمجلس النرويجي للاجئين أن "النهب مشكلة متكررة، نتيجة استهداف "إسرائيل" ما تبقى من قوات الشرطة في غزة، وانعدام الطرق وإغلاق معظم نقاط العبور.
وكان مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي، إسماعيل الثوابتة، قال في تصريح لـ"عربي21"، إن الحكومة "حاولت منذ اللحظة الأولى معالجة مشكلة عمليات النهب التي تنفذها فئات خارجة عن القانون، ونجحت بشكل نسبي في هذا الأمر، ولكن ما زالت المشكلة قائمة إلى يومنا هذا".
وأكد الثوابتة أن "هذه الفئات تعمل في مساحة جغرافية لا تستطيع الطواقم الشرطية التحرك فيها بسبب خطورة الوضع الأمني الذي يفرضه جيش الاحتلال، وعلاوة على ذلك فإن هذه الفئة الخارجة عن القانون يتحرك عناصرها تحت نظر الاحتلال، ما يساعد في تعزيز سياسة التجويع المتعمد".
ولفت الثوابتة إلى أن الحكومة في غزة تبذل كل الجهود في إطار معالجة المواقف الميدانية مع هذه العصابات الخارجة عن القانون، والكثير منهم قام بتسليم نفسه للأجهزة الحكومية وأعرب عن تراجعه عن هذه السلوكيات، وتعهّدوا بعدم تكرار هذا الأمر.