فلسطين أون لاين

الرِّنتيسيّ لبست الأبيض مرَّتين... عروسًا ثمَّ شهيدة

...
الرِّنتيسيّ لبست الأبيض مرَّتين... عروسًا ثمَّ شهيدة
البريج/ فاطمة حمدان:

تنهمر دموعها ويتحشرج صوتها بالبكاء كلَّما تذكَّرت ابنتها أسماء الرِّنتيسيّ " 20 عامًا " الَّتي كانت " عروس الحرب " وأصبحت شهيدتها، فلم تدم أيَّام الفرح الَّتي انتزعتها أسماء من بين براثن حرب وحشيَّة يشنُّها الاحتلال الإسرائيليُّ على غزَّة بقبولها بالزَّواج بمن ارتضاه دينًا وخلقًا دون أي مراسم للفرح أو تكاليف لتئد صواريخ الاحتلال الأسرة الجديدة في مهدها.

زواج قصير

خمس شهور فقط كانت تلك الفترة الَّتي كسرت فيها الأمُّ هناء الرِّنتيسيّ قرارها برفض أيِّ خاطبين ل " أسماء " حتَّى تضع الحرب أوزارها إذ جاءها عدَّة خطاب في مناطق نزوحها المختلفة لكنَّ الأمَّ لم تكن ترى في ظروف الحرب الحاليَّة متَّسعًا لأيِّ ارتباط أو استقرار.

ولكنَّه النَّصيب الَّذي جعلها توافق على ارتباط ابنتها بالشَّابِّ عمران اسليم من مخيَّم البريج حيث حطَّت رحالها بعد رحلة نزوح طويلة من مخيَّم جباليا تنقَّلت فيها في عدَّة أماكن، فالارتياح الَّذي دخل قلب العائلة تجاهه جعلها تتجاوز فكرة تأجيل الارتباط لما بعد الحرب.

شهر واحد فقط كانت مدَّة خطبة أسماء بدأ من زيارة عائلة زوجها الأولى لخيمة أهلها طلبًا ل " القرب " وحتَّى استقرارها في غرفة من " الزِّينقو " في نفس مخيَّم النُّزوح الَّذي تقيم فيه أسرتها جهَّزه لها على عجل وبدون أثاث أو تكاليف.

فالرغبة في إقامة مراسم الفرح لم تكن حاضرة لدى الطرفين مراعاة للوضع العام ولكون أسماء فقدت شقيقها محمد شهيدًا في شهر أكتوبر للعام الماضي فيما لـ " عمران" أربعة أشقاء شهداء كان آخرهم شقيقة له قضت شهيدة خلال الحرب الحالية.

فلم تكن لـ" أسماء" نصيب من مراسم الفرح سوى ارتداء فستان أبيض بسيط لكن الفرح الذي كان يغمر قلبها بحسن الإختيار لزوجها كان أكبر وجعلها لا تفكر يومًا في أنها قد تزوجت بدون أي مراسم رأتها شكلية أمام زوج ودود وطيب بنفس طيبة قلبها التي جعلتها لا تحمل حقدًا على أحد كما تبين والدتها.

وتشير إلى أن أسماء كانت تعد الأيام في إنتظار وضعها لمولودها إذ كانت حاملًا في الشهر الرابع قبيل استشهادها، " كنت أذهب لها يوميًا للإطمئنان على صحتها إذ كانت تعاني من ضعف في الدم في ظل عدم توافر أي مقومات للتغذية الصحية في الوقت الحالي".

وكان ميعاد هناء لزيارة ابنتها عصر يوم الاستهداف وبينما هي في الطريق إليها اذ طرأ طاريء جعلها تعود أدراجها لخيمتها، لتسمع صوت الاستهداف الذي زلزل قلبها فشعرت بأنّ شيئًا جلل قد حدث.

وجدت هناء نفسها تهرع مسرعة تجاه خيمة " أسماء" لتجدها تحت الركام نائمة في فراشها من شدة " تعب الحمل والهزال" ، " كشفت الغطاء عنها فرأيت يدها فأيقنت بأنها هي، كانت صدمة لم أفق منها لو للحظة واحدة، كانت أسماء تخشى أن تفقد أحدنا وكنا نرفض أن نسمع حديثها عن شعورها بأنها ستستشهد خلال الحرب، وكأنها شعرت بأن عمرها قد انتهى، لتتركنا نحن نعاني مرارة الفراق التي تمزق قلوبنا".