قبل 69 عامًا أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29/11/1947م القرار (181) القاضي بتقسيم فلسطين، في تنكر صارخ لحق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال كما يقضي بذلك ميثاق المنظمة الدولية، فضلًا عن أنه صاحب الوجود الطبيعي المتواصل في فلسطين، وكان حينها يجاوز 67 % من سكانها، والمالك لأغلبية أراضيها الزراعية، وقد قضى القرار بإقامة دولتين: عربية ويهودية، وعد مدينة القدس منطقة دولية، مخصصًا للدولة العربية 42,77 % من مساحة فلسطين، ولليهودية 56,47 %، ولمنطقة القدس 0,65%..
وكان يسكن القسم المخصص للدولة العربية 725 ألف مواطن عربي، يملكون 77,69 % من مساحته، مقابل عشرة آلاف مستوطن صهيوني يحوزون 0,84 % من مساحته، وكانت 20,74 % منها أملاك دولة، وكان يسكن ما خصص للدولة اليهودية 498 ألف يهودي يحوزون 9,48 % من مساحته، مقابل 407 آلاف عربي يملكون 24,34 % من مساحته، وكانت 66,04 % منها أملاك دولة، وكان يسكن منطقة القدس 105 آلاف عربي يملكون 84,7 % من مساحتها، مقابل 100 ألف يهودي يملكون 7,01 % من أراضيها، وكانت أملاك الدولة 3,44 % منها، ويملك آخرون 4,85 %من أراضيها.
وهنا نتوقف قليلًا عند قرار تقسيم فلسطين الذي لم يكن وليد اللحظة، بل سبقه وعد بلفور الصادر عام ١٩١٧م، وقد سمى بهذا الاسم نسبة إلى صاحبه اللورد "جيمس آرثر بلفور" الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية البريطاني آنذاك، ودعا لإقامة دولةٍ لـ"الشعب" اليهودي على أرض فلسطين، وتجاهل وجودَ الفلسطينيين الذين يقيمون فوق هذه الأرض، وأسهم في عملية الطرد والنفي والتفتيت الاجتماعي والثقافي المستمرة حتى يومنا هذا. وكان ذلك البداية لنهجٍ بريطاني في التعامل مع الشعب الفلسطيني، وقمع ثقافته وتاريخه.
وكانت الطامة الكبرى في وعد بلفور أنه أصدر قبل بداية الانتداب البريطاني رسميًّا، وعد بلفور بمنح الاتحاد الصهيوني أرضَ فلسطين، دون الحصول على موافقة سكانها الفلسطينيين، مصداقًا لمزاعم وافتراءات الصهاينة (أرض بلا شعب لشعب بلا أرض)، وتجاهل في مفرداته التي انتقاها برسالته تسمية السكان الأصليين الفلسطينيين، وذكرهم بعبارة "غير اليهود"، محاولًا طمس وتغييب الهوية الفلسطينية، وإنكار الثقافة الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني على ذلك النحو إلى طرد السكان الفلسطينيين وتشتيتهم في عام ١٩٤٨م، ثم تدمير المدن والقرى التي أفرغت من أهلها أو تهويدها، وقد وطد هذا الشعور المنحاز الذي عبَّر عنه بلفور علاقة المملكة المتحدة بالكيان العبري إلى يومنا هذا.
وصحيح أن الحركة الصهيونية ورعاتها على جانبي الأطلسي لم يلتزموا بتنفيذ قرار التقسيم، وإنما اكتفوا منه بأن شكل آلية دولية لإقامة الكيان، واستغلوا قدراتهم وإمكاناتهم مقابل القصور العربي المريع رسميًّا وشعبيًّا في إدارة الصراع مع الكيان والقوى الدولية والإقليمية الداعمة له، إذ احتل اليهود كل فلسطين وبعض جوارها العربي، غير أن الواقع شهد خلال الأعوام التالية لصدور قرار التقسيم متغيرات جذرية عربية، وصهيونية، وإقليمية، ودولية، فلا الذين أيدوا القرار المتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني المشروعة ظلوا مجمعين على تأييده، ولا الذين عارضوه ظلت أغلبيتهم _خاصة على الصعيد العربي_ مجمعة على رفضه.
ولم يعد خافيًا أن الكيان بعد تسعة وستين عامًا من صدور قرار التقسيم بات يعاني انحسار ما كان يحظى به من تأييد من المجتمع والرأي العام الأمريكي والأوروبي، بل إنه لم يعد رصيدًا إستراتيجيًّا لرعاته الأمريكان والأوروبيين، بقدر ما غدا عبئًا تاريخيًّا عليهم.