وسط مجاعة قاسية فرضتها دولة الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، أصبحت لقمة العيش ثمنا يدفعه النازحون بأرواحهم. مشهد التدافع للحصول على ربطة خبز بات أمرا يوميا يعكس واقع الحصار الذي أدى إلى نقص حاد في المواد الأساسية.
اليوم، دفعت ثلاث نساء حياتهن ثمنًا لهذا النقص، في محاولة للحصول على رغيف خبز لإطعام أسرهن، في كارثة جديدة تضاف إلى سجل معاناة سكان القطاع.
وقع الحادث أمام أحد المخابز في دير البلح وسط قطاع غزة، حيث توفيت سيدتان وفتاة خنقًا جراء تدافع مئات النازحين أثناء اصطفافهم للحصول على الخبز.
الحادث يعيد إلى الأذهان حادثة مشابهة وقعت قبل أسابيع في المنطقة ذاتها، حين قُتلت ثلاث نساء أخريات نتيجة إطلاق نار خلال تدافع أمام مخبز آخر. هاتان الحادثتان تجسدان الأزمة الإنسانية العميقة التي يعيشها سكان القطاع تحت حصار إسرائيلي يمنع إدخال كميات كافية من الدقيق، ما جعل الخبز عملة نادرة تُقاتل من أجلها الأسر.
يقول خالد، أحد شهود العيان لـ"فلسطين أون لاين": "كان هناك تدافع كبير بسبب العدد الهائل من الناس الذين يحاولون الحصول على الخبز. فجأة، بدأ الصراخ والارتباك، وسقطت النساء على الأرض. حاول الناس المساعدة، لكنهن كن قد اختنقن بسبب التدافع. إنها مأساة لا يمكن وصفها بالكلمات".
وأشار إلى أن النساء كن يرغبن فقط في العودة إلى أسرهن محملات برغيف خبز يسد رمق أطفالهن الجائعين. وأضاف: "هؤلاء الضحايا ذهبن للبحث عن الحياة لأطفالهن، لكنهن لم يعدن أبدا".
المجاعة التي يعاني منها القطاع ليست نتيجة كارثة طبيعية، بل هي حصار إسرائيلي ممنهج يمنع إدخال المواد الأساسية، بما فيها الدقيق. نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الخبز بشكل جنوني، حيث وصلت ربطة الخبز الواحدة إلى 40 شيقلًا، ما يجعلها حلما بعيد المنال للكثيرين.
يقول محمد سكيك أحد النازحين من مدينة غزة إلى دير البلح لـ"فلسطين أون لاين": "الوضع أصبح لا يطاق. كنا بالكاد نستطيع شراء الخبز عندما كان بسعر معقول، أما الآن فنحن أمام مأساة حقيقية".
وأضاف: "أطفالي يبكون من الجوع، وأنا لا أستطيع فعل شيء. الناس يضحون بحياتهم للحصول على شيء بسيط، فقط ليبقوا على قيد الحياة".
ويوضح الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب أن ما يحدث في غزة ليس مجرد أزمة خبز، بل هو انعكاس لمجاعة شاملة تفرضها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال أبو جياب لـ "فلسطين أون لاين": "(إسرائيل) تمنع إدخال الدقيق بكميات كافية، ما يؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، ويضعف القدرة الشرائية للسكان الذين يعانون بالفعل من الفقر المدقع. هذا الوضع يخلق أزمة إنسانية ضخمة تنعكس على جميع جوانب الحياة، من الصحة إلى الأمن الغذائي".
وأوضح أنه وبحسب الإحصاءات الأخيرة إلى فإن أكثر من 96% من سكان القطاع يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد، مما أجبر العديد من الأسر على استبدال ممتلكاتهم الشخصية مقابل الغذاء، بما في ذلك الملابس، أو جمع النفايات لبيعها.
وأضاف أبو جياب: "أكثر من نصف الأسر، لا يتوفر الطعام لديها بشكل منتظم، فيما تقضي بعض الأسر أيامًا كاملة دون تناول أي وجبة".
وأشار إلى أن الأطفال هم الأكثر تأثرا بهذه المجاعة، حيث يعاني أكثر من 80% منهم من فقر غذائي حاد، ويواجه أكثر من 135,000 طفل دون سن الثانية خطر سوء التغذية الحاد.
وبين أبو جياب أن الأزمة الغذائية تفاقمت نتيجة القيود المشددة التي فرضتها دولة الاحتلال على إدخال المواد الغذائية والوقود إلى القطاع.
وتابع: "رغم فتح معابر محدودة في بعض الأوقات، فإن المساعدات لم تكن كافية لسد الاحتياجات المتزايدة. كما أُجبر ملايين الأشخاص على النزوح إلى مناطق تفتقر إلى الخدمات الأساسية، مما أدى إلى تفشي الأمراض التي تزيد من خطر سوء التغذية والمجاعة".
ورأى أبو جياب أن أزمة الخبز ليست سوى جزء من مأساة أوسع تشمل ندرة الوقود، المياه النظيفة، والخدمات الصحية، ما يضع سكان القطاع في دائرة من المعاناة المستمرة التي تهدد حياتهم اليومية.